الجرحى.. الشهداء الأحياء

إن المشهد الذي يتكرر اليوم في أكثر من مدينة، حيث يضطر الجرحى، هؤلاء "الشهداء الأحياء"، للنزول إلى الشارع، والاعتصام في ميادين مأرب وتعز وغيرها، للمطالبة بـحقوقهم الأساسية، هي صرخة مُدوّية تحمل في طياتها مأساة حقيقية، ووصمة عار لا تُمحى على جبين المسؤولين والدولة.


الواجب الوطني والأخلاقي والإنساني يقول بوضوح: "يجب أن ترفع لأصحاب التضحيات القبعات لا أن يخرجوا الشارع يتظاهرون". هؤلاء الرجال قدموا أغلى ما يملكون، أجزاءً من أجسادهم، فداءً للأرض والكرامة. لقد أوفوا بالعهد والميثاق على طريقتهم، بدمائهم الطاهرة. فكيف يُقابل هذا العطاء اللامحدود بـالتخلي والإهمال؟


فمجرد خروج الجريح الذي فقد طرفًا أو أصيب بعجز دائم، ليقف تحت الشمس أو البرد، مُناشدًا ومُطالبًا بالعلاج، بالراتب، بالحياة الكريمة، هو إعلان فادح بـفشل المنظومة بأكملها في تقدير التضحية. إنهم لا يطلبون منّة، بل يطالبون بدّين مستحق أقسمت الدولة على سداده.


إن حقوق الجريح، من علاج مستمر، ورعاية صحية متكاملة، وإعادة تأهيل نفسي وجسدي، وتوفير حياة كريمة تليق بحجم التضحية، هي الدّين الذي لن يسقط بالتقادم. 


العلاج أولوية قصوى، فلا يجوز أن يجد الجريح نفسه عاجزًا عن توفير الدواء أو إجراء عملية جراحية ضرورية بسبب الإهمال أو الروتين القاتل. بل الرعاية الكريمة لهم التزام دائم، فيجب أن يُنظر إلى الجريح كأولوية قصوى في كل خطط الدولة، وليس كعبء يمكن تأجيله أو نسيانه.


 تكريم الجرحى، "الشهداء الأحياء"، هو واجب أخلاقي وضرورة وطنية. فالدولة التي تتخلى اليوم عن أبنائها الذين ضحوا، ترسل رسالة قاسية وخطيرة إلى الأجيال القادمة مفادها: "تضحيتكم لن تُقدّر، وجراحكم ستُنسى".


إن هذا التخلي يهدد بتفكيك منظومة القيم الوطنية، ويُضعف منسوب الاستعداد للتضحية في المستقبل. من سيقبل أن يضحي غداً وهو يرى جريح اليوم ينام في الشارع يُطالب بحقه في الحياة؟


يا أيها المسؤولون، يا هؤلاء، إن اعتصام الجرحى في مأرب وتعز هو جرح جديد في قلب الوطن. الواجب الآن هو الانتقال من مرحلة الوعود إلى مرحلة الاستجابة الفورية والعمل العاجل. أوقفوا هذا المشهد المُعيب. قوموا بـتلبية حقوقهم الأساسية الوطنية كأولوية قصوى، قبل أن يتحول هذا الواجب إلى لعنة تطارد مستقبلكم.


وختاماً، "تكريم الجريح هو صمام أمان للدولة، وإثبات بأن الدماء لم تذهب هباءً.


المصدر: يمن شباب نت