الأضرحة والقباب الصوفية في تعز.. تراث مهدد بالاندثار (تقرير)
إلى ما قبل أربعة عقود كان لقبور الأولياء من رموز الحركة الصوفية في اليمن عموما وفي محافظة تعز على وجه الخصوص مكانة روحية كبيرة ترقى لمرتبة التقديس.
في بعض المناطق حكايات أشبه بالأساطير عن كرامات أولئك الأولياء وقدرتهم على شفاء المرضى، ومحاربة الشياطين، بل وإنزال الغيث، وغيرها من الكرامات التي لعبت نسبة الأمية الكبيرة بين العامة مع قلة نسبة التعليم وغياب الخدمات الطبية دوراً مهما في لجوء الناس البسطاء إلى الإيمان بتلك الكرامات واللجوء لقبور الأولياء بحثاً عنها.
كرامات أحمد بن علوان
على بعد 30 كيلومترا إلى الغرب من محافظة تعز وسط اليمن وفي منطقة "يفرس" تحديداً يوجد ضريح الشيخ الصوفي أحمد بن علوان، ويعد بن علوان المولود في أواخر القرن السادس الهجري، أي في عهد الدولة الرسولية، والمتوفي في 20 رجب 665 هجرية، إمام الصوفية وفيلسوفها، وتجاوزت شهرته حدود اليمن لتشمل جميع أقطار الوطن العربي.
دوّن كثير من المؤرخين والباحثين مؤلفات حول سيرته المترعة بالزهد والورع والتصوف فضلاً عن كونه عالما جليلا وشاعراً نابغاً له العديد من المؤلفات وكذلك القصائد الوجدانية المتيمة بحب الرسول، وقد غنى فنان اليمن الكبير أيوب طارش العديد من تلك القصائد الروحية ورويت حول كراماته وقدرته على علاج الكثير من الأمراض ودعوته المستجابة الكثير من الحكايات سواء في حياته أو بعد مماته الأمر الذي جعل من ضريحه مقصداً للمرضى وذوي المطالب.
الحاجة تقية مرشد (85 عاماً) من أهالي منطقة يفرس حيث مرقد الشيخ بن علوان في حديثها لـ"الموقع بوست" قالت إنها "منذ صغرها وهي تقوم بزيارة ضريح الشيخ أحمد بن علوان كلما داهمها المرض أو أحد أفراد أسرتها، فلا يعودون من الزيارة كما تقول الحاجة تقية إلا وقد شفي مريضهم وتحققت مطالبهم".
وأضافت "يوجد بجانب الضريح بركة ماء لا تجف يغتسل من مائها الزوار والمرضى وتقدم لروح ابن علوان النذور والصدقات، بالإضافة إلى جمع سنوي في شهر رجب من كل عام حيث يجتمع الناس يتقدمهم الفقهاء ويذبحون الذبائح ويقيمون الموالد التي تنشد فيها بشكل جماعي قصائد المديح للرسول صلى الله عليه وسلم".
وتختتم الحاجة تقية حديثها بحسرة من فقد مجداً غابراً لم يعد منه غير ذكرى تطمرها السنين بالقول "كانت المرأة إذا حدث لطفلها مكروه تستنجد بدعاء الشيخ أحمد بن علوان، فلا يتأخر بالإجابة كما تقول بيقين لا يقبل الشك، تغير الزمن ولم يعد أحد يصدق تلك الكرامات أو يتشرف بزيارة ضريح الشيخ أحمد بن علوان"، كما قالت.
خطر فتاوي الجماعات المتطرفة
قبل سنتين تقريباً أقدم مجهولون على نبش ضريح الشيخ الصوفي صادق بن عبد الله في عزلة المقارمة مديرية الشمايتين بمحافظة تعز، بحجة أنه مخالف لتعاليم السنة النبوية وزيارة ضريحه والإيمان بكراماته نوع من الشرك.
كرامات الشيخ صادق بن عبد الله
يستذكر خالد سعيد محمد (71 عاما) لـ"الموقع بوست" بعض تلك الكرامات التي يقول إنه شاهدها بأم عينيه عندما كان يحضر ما سمي "شعبانيات" الشيخ صادق رفقة والده الفقيه سعيد الخريشي، ففي إحدى الليالي حين كانت القدور الممتلئة باللحم استعداداً لإحياء ليلة "الشعبانية" هطلت أمطار غزيرة إلا أن النار ظلت مشتعلة تحت القدور ولم تطفئها غزارة المطر، وكذلك اشتعال الضوء فجأة داخل القبة في ليلة "الشعبانية" دون وجود مصباح أو يشعلها أحد.
كرامات الشيخ صادق هي الأخرى لم يعد منها غير أساطير ترويها شفاه كبار السن وخصوصاً النساء العجائز ولا يصدقها أحد.
تكاد تكون طقوس زيارات أضرحة أولياء الصوفية وكذلك كراماتهم متشابهة إلى حد كبير في كل مناطق محافظة تعز، وهو ما تؤكده رواية المسنة مريم الدار من قرية الكدرة عزلة المقارمة مديرية الشمايتين في حديثها لـ"الموقع بوست" وهي تستعيد زمن قداسة أصحاب تلك الأضرحة من ذاكرة لم ينل الزمن من قوة إيمانها بتلك الكرامات رغم طمر الزمن لها ورحيل المؤمنين بها.
تقول مريم بذات الأسف المرير "كان الشيخ صادق من أولياء الله الصالحين وكان المرضى يتداوون من خلال زيارته ولعق التراب من داخل ضريحة وكانت تقام "شعبانية " (اسم يطلق على جمع شعبي في ليلة السابع والعشرين من شهر شعبان من كل عام)، يتم فيها ذبح الذبائح التي يوزع لحمها للحاضرين والفقراء وتحيي تلك الليلة والتي تقام في ساحة الضريح بالمولد المختوم بطعن المجاذيب أنفسهم بالجنابي والسيوف دون أن يشعروا بالألم أو تنزف دمائهم، ويتفاجأ الحاضرون في تلك الليلة كما تقول مريم بالماء يتدفق من ساقية الشيخ صادق دون رعد أو مطر، وذلك من كرامات الشيخ التي شاهدتها بأم عينها منذ طفولتها ولسنوات عديدة، بحسب شهادتها.
وتابعت أن "خدمة ضريح الولي المتمثل في وضع قوارير السمن البلدي وذبح المولود البكر من ماشية البقر لروح الولي وتسريج ضريحه بالمصابيح كانت بمثابة فروض مقدسة يمارسها الناس بيقين لا يقبل الشك".
فن معماري يجسد المكانة
بعيداً عن صدقية تلك الكرامات من عدمها والتي لم يعد منها الآن غير ذكرى في شفاه شاخت ويقل أصحابها، تتميز القباب والأضرحة الصوفية التي يبلغ ارتفاع بعضها من (3 إلى 6 أمتار).
ولا يقل عمر أحدثها عن قرنين من الزمان بتصميم هندسي غاية في الروعة والإتقان يجسد المكانة الروحية والاجتماعية لأصحابها.
تأخذ القبة المقامة عادة فوق بناء من الأحجار بطول 4×3 أمتار وبإرتفاع 3 أمتار حول قبر الولي شكلاً هرمياً مبنياً من الأحجار والجص، يضيق كلما ارتفع للأعلى حتى ينتهي بحجر واحدة تغلق به القبة، موشى من الداخل بتشكيلات هندسية بديعة.
ومن القباب والأضرحة الأخرى لرموز الصوفية بالحجرية بمحافظة تعز قبة وضريح الشيخ عبد الرحمن المسني الطيار في مدينة التربة، وما زال جامعه المجاور لضريحه والذي يحمل اسمه باقياً حتى اليوم.
وكذلك ضريح ومرقد الشيخ الحجري في منطقة "الزملية" عزلة الزعازع مديرية الشمايتين والذي ما يزال المرضى وأصحاب الحاجات وخصوصاً من النساء يترددن عليه بشكل متواتر، كما أخبرنا القائم على أعمال خدمة الضريح والزوار عبد الرحمن المساح.
خاتمة الزيارة
طوت تطورات الزمن واتساع رقعة التعليم ووسائل الطب الحديث عهد كرامات أولياء الصوفية في محافظة تعز، ولم يعد منها غير هذه القباب والأضرحة الشاهدة على حقبة مهمة من تاريخ اليمن الديني والاجتماعي، غير أن براعة بنائها المعماري يعد تراثاً سياحيا جديرا بالشغف والحماية.