
تعز.. المدينة التي تدفع الثمن الأكبر
تعز اسمٌ مرادف للمقاومة، وشاهدٌ على التضحية، وعنوانٌ لثقافة عريقة متجذرة في التاريخ اليمني. إنها المدينة التي لم تتأخر يوماً عن أداء واجبها الوطني، وكانت في طليعة الصفوف كلما نادى الوطن، ولكنها اليوم تجد نفسها، على الرغم من كل ما قدمته، تدفع الثمن الأكبر والأفدح من بين كل المدن.
منذ اللحظات الأولى للانقلاب في 2014، لم تتردد تعز. لقد تصدَّرت المشهد بشجاعة نادرة، رافضةً الانصياع للانقلاب، ومُعلنةً انتصارها للمشروع الجمهوري والهوية الوطنية. أبناؤها، الذين يُعرفون بوعيهم وثقافتهم الواسعة وكثافتهم السكانية، لم يتوانوا عن تشكيل المقاومة الشعبية التي واجهت مليشيا الحوثي المدججة بالسلاح ومن تحالف معها.
لقد كانت تعز هي الحاضنة والقائدة لثورة 11 فبراير الشبابية السلمية، ومُدافعةً عن الدولة المدنية، وهي نفسها من قدمت قوافل الشهداء والجرحى في حرب لا تزال رحاها دائرة. إن تاريخها حافل بالدفاع عن اليمن الكبير، من هنا خرج العلماء والمثقفون الذين شكّلوا الوجدان الوطني. هذا الموقف الثابت غير القابل للمساومة، هو ما جعلها هدفاً للانتقام والحصار.
في مقابل هذا الدور البطولي الذي أدهش الأعداء وألهم الأصدقاء، فإن الواقع اليوم يصرخ بألم عميق. فمدينة الصمود تحولت إلى مدينة الأوجاع المركّبة. تعز، التي يفترض أن تُكافأ على صمودها، تُعاقب عليه بسوء تدبير من جهة، وتضييق حصار من جهة أخرى.
يُعدّ الحصار الحوثي المطبق هو الوجع الأكبر، فقد حوّل المدينة إلى جزر متناثرة تعيش على شريان واحد، وهو ما أدى إلى شحّة في الموارد والإمكانيات بشكل غير مسبوق. الشريان الوحيد المتبقي بالكاد يكفي لتلبية أبسط الاحتياجات الأساسية.
الأمر الأكثر مرارة هو الشعور بالخذلان من "الأشقاء" و"الشركاء" في المعركة. نقص الدعم من قبل الحكومة الشرعية ودول التحالف. هذا النقص لا يقتصر على الخدمات الإنسانية فحسب، بل يمتد ليشمل الدعم العسكري والأمني لجيشها الوطني وقواتها الأمنية التي ما زالت تقاتل على جبهات متعددة.
كيف لمدينة أن تصمد وتنتصر في معركة وجودية، وقواتها تُعاني من ضعف الإمداد، في حين يُفترض أن تكون تعز هي البوصلة والركيزة الأساسية لتحرير ما تبقى من البلاد؟
أخيراً، تعاني تعز من تدهور كارثي في الخدمات الحكومية. لا يمكن لمدينة محاصرة ومكتظة بالسكان، ومهدّدة باستمرار، أن تعيش دون دعم يضمن استمرارية مؤسساتها الصحية والتعليمية. الطرق مدمّرة، والمستشفيات منهكة، والتعليم متعثر، وكل ذلك يفاقم من المعاناة اليومية لملايين السكان.
إن الثمن الذي تدفعه تعز من دم أبنائها، ومستقبل أجيالها، وتدهور حياتها اليومية، يجب أن يتحول إلى استشعار وطني يهز ضمير الحكومة والتحالف والمجتمع الدولي. فلا يمكن أن تترك هذه القلعة تسقط في وحل الإهمال بعد أن صمدت في وجه الرصاص والحصار.
صمود تعز هو صمود للجمهورية. وحان الوقت ليتحول التقدير اللفظي إلى دعم مادي وعسكري حقيقي يرفع الحصار ويضمن العيش الكريم لأهلها.