
الصحافة في زمن الحرب
الصحافة هي الصوت الذي ننقل قصص الضحايا والصامدين. ولكن، في خضم الحرب، يصبح هذا الدور النبيل محفوفًا بأقصى درجات الخطر. فالصحفيون ليسوا مجرد مراقبين، بل غالبًا ما يصبحون أهدافًا، لأن الحقيقة التي يحملونها قد لا تُرضي جميع الأطراف.
الأرقام الصادرة عن نقابة الصحفيين اليمنيين مؤخراً، تُقدم صورة صادمة للواقع المرير الذي يواجهه الصحفيون في اليمن. فمنذ بداية الحرب في عام 2015 وحتى مطلع أبريل الماضي، تم رصد أكثر من ألفي انتهاك لحريات الإعلام. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي شهادة على حالة من المعاناة الإنسانية.
إن الانتهاكات التي شملها التقرير، لا تمثل فقط اعتداءً على الأفراد، بل هي هجوم مباشر على حق الجمهور في المعرفة، وتعتيمٌ ممنهج على مجريات الأحداث. كل حالة من هذه الحالات هي قصة لصحفي خاطر بحياته لنقل الحقيقة، وتكشف عن بيئة عمل معادية، حيث يصبح القلم والكاميرا أدوات قد تؤدي بصاحبها إلى الموت أو السجن.
الصحافة في زمن الحرب ليست ترفًا، بل ضرورة قصوى. فهي التي توثق الانتهاكات، وتفضح الظلم، وتُبقي على الأمل في أن يسود القانون والعدالة. إن استهداف الصحفيين هو استهداف للوعي الإنساني. في ظل هذه الظروف، يبرز دور المنظمات الحقوقية والنقابات المهنية في حماية هؤلاء الأبطال، وتوثيق جرائم العنف الموجهة ضدهم، والضغط من أجل تحقيق المساءلة.
تُثبت الأرقام الصادرة من النقابة أن الصحافة هي الضحية الأولى في أي نزاع، وأن حماية الصحفيين ليست مسؤولية محلية فقط، بل واجب أخلاقي يقع على عاتق المجتمع الدولي بأسره. يجب أن تظل قضية حماية الصحفيين أولوية قصوى، لضمان ألا تضيع الحقيقة في غياهب الظلام.
فإذا كانت مضايقات الصحفيين أمرًا شائعًا في زمن السلم، حيث تتقاذفهم التهديدات والملاحقات والقيود، فكيف يكون حالهم في زمن الحرب؟ في النزاعات المسلحة، تتلاشى كل الخطوط الحمراء، وتصبح الحقيقة ذاتها هدفًا للاغتيال. واليمن، في ظل الحرب الدائرة، خير مثال على ذلك.
يعيش الصحفيون اليمنيون وضعًا مأساويًا، حيث يصبح مجرد التعبير عن رأي أو نقل معلومة كافيًا لتلقي عقوبة قاسية. ففي مناطق سيطرة الحوثيين، أصبح الكلام ممنوعًا منعًا باتًا. تُصدر أحكام الإعدام ضد الصحفيين لمجرد ممارسة عملهم، وهو ما يضع حياة العشرات منهم على المحك.
قصص مثل قصة الصحفي محمد المياحي، الذي لا يزال مصيره مجهولًا في السجن، وقصص آخرين قضوا نحبهم تحت التعذيب في سجون الحوثيين، هي شهادات على وحشية لا تُصدق. هؤلاء الأبطال يدفعون ثمنًا باهظًا لالتزامهم بمهنتهم.
وفي مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، القمع يأخذ طرق مختلفة، قيود وملاحقات، حيث يواجه الصحفيون التضييق بوسائل شتى، وتُفرض عليهم قيود تحول دون حركتهم وتغطيتهم للأحداث بحرية. تُضاف هذه الممارسات إلى قائمة الانتهاكات، مؤكدة أن حرية الصحافة في اليمن تتعرض لهجوم من كل الأطراف.
إن هذه الممارسات لا تضر الصحفيين فقط، بل تضر بالمجتمع بأسره. ففي غياب الصحافة الحرة، تختفي الشفافية، وينمو الفساد، وتُخفى الجرائم. الصحافة هي الضوء الذي يكشف الظلام، وحمايتها ليست مجرد قضية مهنية، بل هي ركيزة أساسية لأي مجتمع يسعى للعدالة والتقدم.
لا شك أن الصحافة اليوم لم تعد تلك المهنة المتوازنة والملتزمة التي عهدناها في الماضي. فقد تأثرت بشكل كبير بالأجندات المختلفة التي تفرضها الأطراف المتصارعة. وفي ظل الحروب والنزاعات، يصبح هذا التأثير أكثر وضوحًا وخطورة.
لطالما عُرفت الصحافة بأنها السلطة الرابعة وصوت الحق، وأداة كشف الفساد والانتهاكات. ولكن هذا الدور الحيوي يزعج الكثيرين، خاصة أولئك الذين يحاولون إخفاء جرائمهم وانتهاكاتهم، عندما يلتزم الصحفي بمبادئه المهنية وينقل الحقيقة كما هي، فإنه يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع القوى التي لا ترغب في أن يرى العالم ما تفعله.
إن هذه الضغوط تجعل الصحفيين أمام خيارين صعبين: إما أن يخضعوا للأجندات ويصبحوا أبواقًا دعائية، أو أن يتمسكوا بمبادئهم ويواجهوا التهديد والملاحقة. وفي كثير من الأحيان، يكون ثمن الاختيار الثاني هو حياتهم.
تبقى حماية الصحافة والصحفيين مسؤولية جماعية، فالمجتمع الذي يفقد صحافته الحرة يفقد قدرته على التمييز بين الحق والباطل، ويصبح عرضة للتضليل والتلاعب.
المصدر: يمن شباب نت