
التماهي مع الانقلابيين خيانة
في لحظة تاريخية فارقة، أصبح اليمن على مفترق طرق حاسم، حيث يتضح جلياً التمايز بين خيارين لا ثالث لهما: الإمامة والجمهورية. هذا ليس صراعاً سياسياً عابراً، بل هو معركة وجودية تحدد هوية الأمة ومستقبلها.
تمثل الإمامة اليوم مليشيا الحوثي التي انقلبت على الدولة اليمنية، وشنّت حرباً شعواء على اليمنيين على مدى عشر سنوات. إنها ليست مجرد جماعة مسلحة، بل هي مشروع طائفي يهدف إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، مستخدمةً مناهج وأفكاراً تروّج لأحقية فئة معينة بالحكم. لقد ذاق اليمنيون تحت هذه الإمامة كل أشكال الظلم، من الجوع والقتل إلى الاختطاف والإقصاء.
في المقابل، تقف الجمهورية والمقاومة التي دافعت عن الدولة والحرية. إنها تمثل إرادة الشعب اليمني في بناء دولة حديثة مبنية على المواطنة المتساوية، لا على الولاء لسلالة أو فئة. الأبطال الذين ضحوا بدمائهم في سبيل دحر هذا الانقلاب هم حماة هذا الحلم الجمهوري.
وفي خضم هذا التمايز الواضح، بدأت تظهر أصوات تحاول التماهي مع قيادات كانت في صف الانقلاب، محاولةً تبرير جرائمهم أو تلطيف صورتهم. هذه المحاولات هي خيانة مزدوجة: خيانة لدماء الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الوطن، وخيانة للجمهورية التي قامت على مبادئ العدل والمساواة.
إن المسألة واضحة كوضوح الشمس: إما أن تكون مع الإمامة الحوثية أو مع الجمهورية الحرة. لا يمكن للمرء أن يقف في المنطقة الرمادية، محاولاً تبرير ما لا يبرر. من وقف مع الانقلاب في بدايته لا يمكن أن يُساوى بمن قاومه، حتى وإن حاول اليوم ركوب الموجة.
عندما يتعلق الأمر بالقتلة والانقلابيين ومن عاونهم، فإن التسامح يصبح خطيئة، ومحاولة "غسل" جرائمهم جريمة مركبة. إن العدالة والقضاء هما الفيصل الوحيد، حتى لا نكرر أخطاء الماضي.
ليس من الإنصاف أن يُنظر إلى من تسبب في إزهاق الأرواح وتدمير الأوطان على أنهم مجرد "خصوم سياسيين". إنهم مجرمون ارتكبوا جرائم بحق الإنسانية، وجرّوا البلاد إلى مستنقع من العنف والفوضى. والتسامح معهم يعني خيانة لدماء الشهداء.
الأخطر من ذلك هو محاولة تبرير أفعالهم أو إعادة تأهيلهم سياسياً واجتماعياً. هذه المحاولات هي بمثابة محو للحقائق، وتزييف للتاريخ، وإساءة بالغة لذاكرة الأمة. إنها تفتح الباب أمام تكرار المأساة، لأنها تبعث برسالة مفادها أن الجريمة لا تُعاقب، وأن العنف قد يكون وسيلة لتحقيق الأهداف.
الحل الوحيد هو اللجوء إلى القضاء والعدالة. لا تسويات سياسية على حساب الدم، ولا مصالح حزبية فوق حقوق الشعب. يجب أن ينال كل مجرم جزاءه العادل، وأن تُحاسب كل يد تلطخت بالدماء. هذا ليس انتقاماً، بل هو إقامة للحق، وضمان لعدم تكرار المأساة.
هذا ما يجب أن نتعلمه من تاريخنا، تحديداً من دروس ثورة 26 سبتمبر. العدالة هي صمام الأمان الوحيد الذي يضمن أن المستقبل لن يكون مجرد نسخة مكررة من الماضي.
إن التماهي مع الانقلابيين هو خيانة للوطن، وخذلان لكل من آمن بحلم الجمهورية وضحى من أجله. إنها دعوة للتصالح مع الظلم، وهذا ما لا يمكن أن يقبله أي يمني حر.
المصدر: يمن شباب نت