تعز.. بطولة الجندي الذي يحارب بالدم

تاريخ الحروب مكتوب بدماء الشجعان، وفي تعز يحمل فصلاً خاصاً لا مثيل له، إنه فصل بطولة الجندي المُعيل الذي يقاتل على خطوط التماس الأمامية بصدق، بينما يخوض على الجبهة الداخلية معركة ضارية ضد الجوع والخذلان. إن تضحية الجيش في تعز ليست مجرد قتال، بل هي قصة صمود إنساني تتجسد في قدرة المقاتل على البقاء وفياً لقضيته رغم النكران المادي الذي يهدد أبسط مقومات حياته.


إن الفارق الصارخ بين من يقاتل دفاعاً عن الجمهورية من قلب تعز، ومن يقاتل في محاور أخرى من الجبهة ذاتها، ليس فارقاً في الرتبة أو الواجب، بل هو فارق في سعر الدم.


لقد أثبت الجيش في تعز إخلاصاً مطلقاً للوطن، تجسد في تحرير مناطق واسعة من المدينة والحفاظ على هذه المكاسب بإمكانيات ذاتية وشبه معدومة. هذا الجيش، الذي يمثل روح الجمهورية في أكثر معاقلها تحصيناً، يتقاضى راتبه بالريال اليمني المنهار، بينما يتمتع زملاؤه في وحدات أخرى برواتب تُصرف بالريال السعودي، وبتواتر منتظم.


هذا التمييز ليس مجرد تفاوت مالي، بل هو جرح في خاصرة الوطنية، وتساؤل مُر يطرحه الجندي: "كيف يُقدّر الوطن تضحيات أبنائه؟". إن راتبه الزهيد، الذي يتأخر أشهراً، لا يغطي حتى ثمن الكفن، فكيف له أن يسد رمق عائلة في مدينة محاصرة وغلاء فاحش؟


إن جندي تعز لا يواجه خصماً واحداً، بل يواجه حصاراً مزدوجاً، حصار الجبهة، حيث صواريخ وقذائف الانقلابي الحوثي الخصم المتربص على أسوار المدينة، وحصار الخذلان حيث انقطاع الراتب وشح الإمدادات والتمويل.


إن صمود هذا الجندي لأشهر طويلة بلا راتب هو عمل بطولي يتجاوز الوصف العسكري، ليصبح موقفاً أخلاقياً وسياسياً بامتياز. إنه يقول للمتقاعسين: "سنحمي المدينة وإن جُعنا، وسنبقى الأوفياء للجمهورية وإن خذلنا الكثيرون". هذا الثبات هو الذي منع سقوط تعز في أحلك الظروف، وهو ثبات مبني على الإيمان العميق بحب الوطن والجمهورية.


في المشهد اليمني المعقد، حيث تتعدد الولاءات وتتصارع المصالح، يظل الجيش في تعز يمثل البوصلة الحقيقية للوطنية. إنه الجيش الذي يقاتل من أجل اليمن ككل، ويقدم التضحية والفداء من أجل الجمهورية، غير آبه بما يحصد زملاؤه من مغانم.


لذلك، فإن التحية الحقيقية لا يجب أن تذهب لمن يقاتل بسخاء الدعم، بل لمن يقاتل بشجاعة الالتزام رغم قسوة الظروف. إن التحية ليست رمزاً بروتوكولياً، بل هي موقف إنصاف ووجدان.


إن حق هذا الجيش على القيادات الشرعية والقوى المساندة ليس مجرد تحية أو ثناء، بل إنصاف عاجل يتمثل في توحيد سلم الرواتب دون تمييز والالتزام بالصرف المنتظم والفوري لمتأخراتهم وتوفير الدعم اللوجستي الذي يليق بقدسية المعركة.


فلا يجب أن يُترك حماة الجمهورية وحيدين في معركة الشرف. إن بقاء تعز صامدة هو دليل على أن الإيمان بالقضية أقوى من شح الإمكانيات، وهو ما يجعل هذا الجيش أحق من غيره بالتحية العسكرية، والإنصاف المفقود.


المصدر: يمن شباب نت