لماذا نبحث عن الدولة؟

إن البحث عن الدولة ليس مجرد رغبة إدارية أو رفاهية سياسية، بل هو بحث عن الحياة ذاتها، عن الكرامة، وعن النظام الذي يمنع الانزلاق إلى العدم.


إننا نبحث عن الدولة حتى يسود النظام والقانون، وينتهي إلى الأبد نظام "اللا دولة" الذي يعني الفوضى، العشوائية، ونظام الغاب الذي لا يعرف دستوراً ولا قانوناً إلا القوة والبطش. فغياب الدولة يعني أن القوة هي الحق، وأن البقاء للأقوى، وهذا ما نشاهده اليوم في كل شبر تتراجع فيه سلطة النظام.


لقد دفع المواطن اليمني أثماناً باهظة لغياب أو ضعف حضور الدولة، وتتجسد هذه الأثمان في صور مأساوية على الأرض.


ففي صنعاء، حيث غياب الدولة وحضور الميليشيا، صار المواطن يعيش في رعب دائم. غاب القانون وحضرت القوة الغاشمة. فلم يعد الأمر يتعلق بخلاف سياسي، بل بأمن شخصي مفقود.


أصبح المواطن يُختطف من بيته أو طريقه ليخرج بعدها جثة هامدة، دون تحقيق أو محاسبة. هذا هو أقصى درجات الانفلات الأمني، إذ لا توجد سلطة عليا تُساءل.


صار الناس بلا رواتب منذ عشر سنوات، في فوضى اقتصادية واجتماعية خانقة أكلت مدخراتهم وكرامتهم. لا دولة تحمي العملة، ولا سلطة تضمن الحقوق المالية.


وأصبح التعليم لعبة بيد الأيديولوجيا الطائفية، التي تسعى لغسل الأدمغة وتحريف المناهج وتجريف الهوية الوطنية، مما يهدد مستقبل أجيال بأكملها بالتشوه الفكري، وغياب الدولة سمح بمرور هذا التحريف بلا رقيب أو حسيب.


حتى في المناطق التي يُفترض فيها حضور الدولة بشكل ما "السلطة الشرعية المعترف بها دولياً"، فإن عدم حضور الدولة بشكلها الأوسع والأقوى يفتح الباب لممارسات تهدد النسيج الوطني وكرامة المواطن.


في عدن، تبرز الممارسات المناطقية التي تعيق بناء مؤسسات جامعة وموحدة، وتؤجج الانقسام الاجتماعي، وكأن الدولة غائبة عن فرض هويتها الوطنية الجامعة.


وفي تعز، يُشكو المواطن من قلة الخدمات الأساسية، بسبب عدم حضور الدولة القوية القادرة على فرض سيطرتها الإدارية وتأمين البنية التحتية من كهرباء ومياه وصحة، وكأن المدينة تُركت لمصيرها.


وفي شبوة وغيرها، أدى ضعف السلطة المركزية إلى عودة نظام القبيلة بقوة ليملأ الفراغ، وهو نظام يحمل معه أخطاء لا تُغتفر عندما يحل محل القانون. إن ما حدث من حوادث القتل البشع خارج إطار القضاء والدولة، يُعيدنا إلى عصور ما قبل تأسيس الدولة الحديثة، حيث يُقام الحد دون محاكمة، وتُسفك الدماء بناءً على عادات، لا على قوانين.


إن الدولة، بمفهومها الحديث، هي الدولة التي تراعي حقوق الناس وتحمي المواطن من أي جهة كانت؛ من الميليشيا، من القبيلة، وحتى من تعسف موظفيها.


والمواطن يبحث عن النظام الذي يضمن أن يكون الجميع سواسية أمام القانون، وأن تطبق الأحكام وفقاً لدستور، وليس وفقاً لمزاج قيادي مليشياوي أو شيخ قبلي.


إن الطريق الوحيد للخروج من هذه الدائرة الجهنمية هو إعادة بناء الدولة المدنية الشاملة، التي ترفع راية القانون فوق الجميع، وتضع سلاحها لحماية المواطن، لا لقمعه واختطافه. فالبحث عن الدولة هو البحث عن الخلاص.


يمن شباب نت