
صنعاء.. ساحة لتبادل الرسائل
يريد الكيان ضربة كبيرة خاطفة ليغسل دماء العجز عن وجهه.. وتريد طهران تمرير رسالة لنتنياهو، واختبار بعض التقنيات في إطار التجهيز لمواجهة محتملة. ويبدو أن العاصمة اليمنية صنعاء، المحتلة من الحوثة، كانت المكان المناسب لتبادل المنافع للطرفين.
ذلك أن أدوات إيران في المناطق المجاورة لها، سوريا ولبنان تحديداً؛ معطلة. ولم يعد لطهران وكيل متماسك، يمكن تمرير الرسالة إلى الأراضي المحتلة عبره، وبالنسبة للكيان الإسرائيلي، فإن ساحة البلدين العربيين صارت خالية من الأهداف الكبيرة التي تساعده في إنجاز جديد يغسل سمعته أمام جمهوره ومموليه.
هو يقصف باستمرار بلا هدف غير إشباع رغبته الإجرامية وإظهار قدرته على تحدي القانون الدولي الإنساني، بأدق تفاصيله، وبصورة شبه يومية. وإذن لا بد من هدف في صنعاء، يخدم الجميع!.
قبل نحو أسبوع أُغلقت إيران جزء كبير من مجالها الجوي، بسبب إجراء مناورة عسكرية حسب الأخبار التي نشرتها وكالة الأنباء الإيرانية. تأتي هذه المناورة ضمن رسائل الاستعداد لاحتمالات المواجهة العسكرية مع الكيان الإسرائيلي. مثلما كانت الهجمات في يونيو مباغتة وقاصمة، فربما تتجدد بأي وقت، على نحو مباغت وقاصم. ولهذا قررت إيران الاعتماد على نفسها أكثر، فوكلائها في المنطقة ليسوا بخير.
ففي لبنان؛ حزب الله، لم يعد قادراً حتى على الرد على استهداف ما تبقى من قاداته وأعضائه العسكريين، ولم يتورع الكيان من استهدافهم المستمر رغم الهدنة المعلنة في نوفمبر 2024، منذ ذلك الوقت خرق الكيان الإسرائيلي الاتفاق أكثر من 3 آلاف مرة!. من لم يستطع نفع نفسه لن يستطيع نفع خالته.
وفي سوريا، الوضع لا يختلف كثيراً عن لبنان، الكيان الإسرائيلي يستخدم الأجواء بحرية لممارسة العربدة وقصف الأراضي السورية، والتوغل في المناطق الحدودية، مستغلاً ترتيبات النظام الجديد والتفاهمات الإقليمية حوله، بعد سقوط اليد الإيرانية الطولى التي سامت السوريين أشد العذاب.
وفي إطار الاستعدادات الإيرانية، تريد طهران تبادل الرسائل مع تل أبيب، التي تلقت، في المواجهة الخاطفة مع إيران في يونيو الفائت، ضربات مؤثرة، قياساً بالتأثير النفسي لا بحجم التأثيرات التي خلفتها الصواريخ الإيرانية.
ساهمت عدة عوامل في مضاعفة التأثيرات النفسية لتلك الهجمات، من بينها أن اليهود أنفسهم مسكونون بهاجس "لعنة العقد الثامن"، إذ لم يتجاوز أي كيان يهودي في تاريخ الديانة ثمانين سنة، وهو ما يجعل الإسرائيليين يرون أن كيانهم يقترب من الاندثار.
علاوة على عوامل أخرى تتعلق بنشأة الكيان على أرض مستلبة، ما يجعل من مؤسسات الكيان متيقنة أنها السارق الذي يمتلك أفتك الأسلحة وأعلى مراتب الدلال، لكنه في نهاية المطاف، مجرد سارق يغطي ذلته بالاستخدام الباطش للعتاد.
وتحت وطأة هذا الهاجس يتصرف نتنياهو بعته خشية حلول اللعنة من جهة، ومن جهة أخرى يحاول تعويض فشله في تحقيق الأهداف التي أعلنها في أكتوبر 2023، فبرغم ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية في غزة، عجز عن القضاء على مجموعة من رجال المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فهو يحتاج إلى هجمة خاطفة، تحمل في مضمونها، ضحايا بمناصب براقة تشفع له مسمياتها، بشيء من التقدير بين المستوطنين.
وهكذا كانت صنعاء، ساحة مناسبة لالتقاء المنافع.
الجمعة قبل الماضية، أطلق الحوثيون صاروخاً باتجاه الأراضي المحتلة. حينها أعلن الإسرائيليون أن أنظمة الدفاع الجوي لم تتمكن من اعتراضه. هل كان ذلك حقيقياً أم غطاء للهجمة الخاطفة؟
فعقب ذلك، أعلن جيش الاحتلال، أنه يحقق في أسباب فشله باعتراض الصاروخ. وبحسب جيش الاحتلال فإن الصاروخ تفكك في الجو، ما يرجح أنه يحتوي على "مكونات عنقودية" تنتشر في مساحة واسعة عند الانفجار، وبالتالي فإن وصوله إلى الأراضي المحتلة لا يعدو كونه رسالة إيرانية، وربما لتجربة نوع جديد من الصناعة الصاروخية.
توالت التصريحات الممهدة للرد من القيادة العليا لسلطات الاحتلال، نتنياهو، المطلوب لمحكمة العدل الدولية، ووزير دفاعه أطلقوا تصريحات شديدة اللهجة ضد الحوثيين، ملوحين بقطع أي يد تمتد إلى الأراضي المحتلة. صار الجمهور المحلي في الأراضي المحتلة، مهيأ ذهنياً لسماع نبأ المقتلة التي حلت بمن يلحقون بهم الضرر، كما صور نتنياهو وفريقه: استهداف حكومة الحوثي.
يظن الإسرائيليون أن المناصب التي يوزعها الحوثي في مؤسسات الحكومة بصنعاء، هي من تدير الجماعة كلياً، وأن استهداف شاغليها يشكل ضربة قاتلة لها. غير أن ما يغيب عنهم أن عقائدياً في العشرينيات من عمره، من صعدة، قادر على أن يصبح مشرفًا على رئيس الحكومة ويتحكم بقراراته، والأمر ذاته ينطبق على بقية المؤسسات.
ولا يعني ذلك أن استهداف واجهة الحوثي الحكومية، لا يشكل خسارة على الجماعة. في الحقيقة، يبدو أن الجميع أوصل رسائله، إيران جربت تقنية جديدة، ونتنياهو هدأ جمهوره باستهداف شخصيات في مناصب رفيعة يعملون ضمن جماعة تشكل خطراً عليهم كما سوقت حكومة نتنياهو، وحتى أكبر الخاسرين يستثمر هذه المقتلة، في ظل استمرار الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
فتحت شعار نصرة غزة، يستغل الحوثيون الشخصيات اليمنية لتوظيفها في تحقيق مآربه، كما يستخدم الحرب على القطاع الفلسطيني، كمبرر لارتكاب الجرائم بحق اليمنيين في مناطق سيطرته، أو استغلالهم باستلاب أموالهم بذريعة المشاركة في تطوير القوة الصاروخية والتجنيد.
المصدر: يمن شباب نت