
أيلول/ سبتمبر.. الاسم والحدث
الشهر الوحيد الذي يعرفه اليمنيون باسميه هو أيلول/سبتمبر.
الأكثرية تخلط بين أسماء الأشهر الميلادية والسريانية. ربطت عن كبار السن أيام الغبار باسم «تموز»، لا أعرف هل هو نفسه «إبريل» أم «رجب»؟. معظم المزارعين اليمنيين يعرفون أن دخول الربيع يبدأ في نيسان، يستطيعون وبدون حساب معرفة ذلك اليوم: «يدخل برعد ويخرج برعد؟» ولكن إن سألتهم عن الاسم الميلادي للشهر، ربما قالوا: «يوليو».
في أغنية بردان بردان، لعبدالباسط عبسي، نعرف أن كوانين هي شهر البرد. لن تعرف المقابل بالميلادية إن لم يكن اسمك مقيداً في سجل الوظيفة العامة وتستلم من مؤسسات الدولة مرتباً شهرياً، والعكس أيضاً، قد تعرف أن الاسم الميلادي للشهر هو ديسمبر، إن كنت موظفاً، لكنك لن تعرف الاسم المقابل إذا لم يكن لك أي ارتباط بالطقس.
الأمر نفسه ينطبق على بقية الأشهر. من الأشهر الهجرية نعرف الأربعة المتتابعة بسهولة: رجب، شعبان، رمضان، وربما شوال. لا نعرف ما يقابلها ولا ترتيبها في التقويم الهجري، المعرفة المتوارثة نتيجة الارتباط الروحي بشهر رمضان.
في العمل الصحفي، تطلب بعض ذكر اسمين للشهر، وإلى الآن لم أحفظ الأسماء، أضطر للبحث عن مسمى شهر يونيو، لأكتب في المادة الصحفية يونيو/حزيران، وتشعر المؤسسة الصحفية باحترام التقاليد، وأشعر بالعمق.
الشهر الوحيد الذي لا يخلط اليمنيون في اسميه، هو هذا الشهر العظيم: لو سألت عن أيلول سيقولون سبتمبر، ولو سألت عن سبتمبر سيقولون أيلول. الكبير والصغير، الرجل والمرأة، الجندي والمزارع، الأمي والمتعلم، الجميع يعرف ذلك. هذا الارتباط الجمعي للاسم، ربما يحمل دلالة المساواة بين جميع اليمنيين، تلك المساواة التي استعادتها ثورة 26 سبتمبر 1962 من مخالب بيت الإمامة العنصرية التي تظن أن نطفتها نزلت من السماء بكيس.
ليست القيمة في اسم أيلول/سبتمبر نفسه وإنما الحدث العظيم الذي وقع في هذا الشهر هو من فرض الاسم وأذاعه وحفره في ذاكرة البلاد إلى الأبد.
لا الاكتفاء بشهرة الاسم، والابتهاج بإطلالة "عيد الأعياد" حسب الوصف الذي يطلقه الأستاذ جمال أنعم على عيد ثورة 26 سبتمبر.
طوال العقود الماضية، كان من المفترض دراسة الحدث العظيم، تحويله إلى منهج يتناسب مع كل الفئات، إلى أنشطة وبرامج تترك أثرها العميق في روح كل يمني. الغوص في مذكرات الثوار، نقاش مؤلفات المؤلفين، إبراز مآسي الناس، تسليط الضوء على حقبة الظلام الدامس، الظلم، البؤس، القتل، وتسخير الناس وما يملكون عبيداً في خدمة البيت الشّرِه وشهية أصحابه.
لو وعى كل مسؤول مسؤوليته، ومؤثر تأثيره، ويمني التزامه؛ الحدث الكبير، وعملوا، منذ وقت مبكر، لتعميق المعنى بالاستذكار الدائم لشرور الإمامة ومخاطرها؛ لن يجد أنسال السلالة فرصة لرفع رؤوسهم، ولا الأشرار ثغرة ليعودوا عابثين بالبلاد والعباد.
في قصيدة «أُنثري الشهب حولنا يا سماءُ»، للشاعر الثائر الكبير علي بن علي صبرة، يتسمر السامع عند سماعها مغناة بصوت فنان اليمن الكبير أيوب طارش، قبل ختام الأغنية التي تبتهج بإطلالة أيلول الذي عاد كالصباح جديداً، وبعد أن تنقل الأغنية صور المواجهة بين الظلام والضوء وصولاً إلى اللواء الخافق المنسوج من دماء الفادين؛ يتوقف الإيقاع، يهبط الصوت عند هذا البيت:
«يستريح المناضلون
وتستن المواضي
ويحصر الشهداء».
من يتوقف قليلاً مستشعرا المعنى، ربما يرى أنْ لو طبقنا ما يحمله هذا البيت الشعري، لما ضللنا الطريق ووصل الحال بنا إلى ما وصلنا إليه، استراح صوت المغنى منبهاً لاستراحة المناضلين وتنبيهاً للخطوات التالية: الاستمرار في استنان المواضي/ صقل السيوف قطعاً لأي تربص، وحصر الشهداء استدعاءً لتضحيات الأبطال ليبق الحدث وتفاصيله في قلب كل يمني ورأسه، حاضراً ومستقبلاً، حتى إذا ما فكر أي "شخص" بالتساهل مع الإمامة، أو الانخراط في أسواق العمالة وبيع المكاسب، تذكر أنه سيغرق بدماء المناضلين، فلا يبقى أمامه غير خيارين: إما الوفاء لهم، أو السقوط بالمواضي المسنونة أيضاً لورثة الشر إن فكروا باستعادة ماضيهم الشرير.
ليبق أيلول/ سبتمبر المجيد حاضرًا بمعناه الكبير عن كل اليمنيين، قاطعاً لكل أذى يضر كل إنسان، ومانعاً لكل فكرة تستعبد كل حر.
سبتمبر/أيلول مبارك لكل اليمنيين الأحرار وهم يواصلون الطريق رفضاً للحوثي وأفكاره..
المصدر: يمن شباب نت