
افتهان والمقر والرموز الغائبة
كان اسم المقر نقطةَ قوةٍ لحزب الإصلاح في بداية الحرب تحديداً. عدم إدراك المؤسسة الحزبية لأهمية الخطاب الذي يوثِّق دور هذا المقر في المعركة ضد مليشيا الحوثي، وتصاعد خطاب المناكفات، أضعفا نقطة القوة وحوّلاها إلى مساحةٍ للهجوم المعاكس.
لو أن حزبًا آخر قام بما قام به المقر ـ في شارع جمال ـ لخلَّده كرمز واستثمره كمتحف.
قلتُ للصحفي زكريا الشرعبي: من المفترض أن يبادر الحزب برفع صورةٍ كبيرةٍ للشهيدة افتهان المشهري على واجهة مقر الحزب، ليكتمل المشهد الرمزي الذي يجمع بين تضحية اليمني كفرد، وتضحيته كمؤسسة، في سبيل الهدف الخالد: خدمة الناس، وحماية الجمهورية.
لا وجود لـ"الرمز" في تعز. البطل الذي يلتف حوله الجمهور غائب. كأن المدينة بلا رمز، أو كأن هناك من يتعمد تشويه المبرزين في المواجهة.
الحديث هنا ليس عن حزبٍ بعينه، أو عن شخصياتٍ بعينها، ولكنه حالة عامة كما يبدو.
في المدينة، مثلاً، لا تحضر الصور الكبيرة، للشهداء الرموز، لتبقى المعركة الوطنية يقِظةً في أذهان الناس. يقولون إن الجولات التي تنتصب فيها اللوحات الكبيرة مؤجرة لإحدى شركات الدعاية والإعلان، وهذا مبرر غير مقنع لتخلّي المدينة عن رفع صور رموزها الشهداء.
أما القيادات الأحياء، من جميع الأحزاب، ومن مؤسستي الجيش والأمن، ومن المقاومة الشعبية أيضًا، فلا تتوقف الحملات التي تُسقِطهم من مواقعهم، وتحول دون تحوّلهم إلى رموز نضالية، إذ تطعن في أعمالهم ونواياهم حتى، بما يشي عن سعي دؤوب لإزاحتهم عن المشهد العام، وإشغالهم بمعارك هامشية، وكأن العدو الكبير ليس على بُعد أمتار.
هذا الأسبوع، ظهرت الصورة الجميلة التي احتوت لوحة الشهيدة افتهان المشهري مع واجهة مقر حزب الإصلاح المتضرر من الحرب، لتذكّرنا بحاجة البلاد إلى البطل الرمز، كفردٍ أو مؤسسة.
إذا ما نظرنا إلى الصورة بعيداً عن أي توظيفٍ خارج المعركة التي يخوضها اليمنيون ضد مليشيا الحوثي، فإنها تجمع بين التضحية والنضال، الشجاعة والصمود، التمسك بالمبدأ الوطني حتى الرمق الأخير، وعدم الاستسلام لكل المؤذين مهما بلغت قوتهم.
في الصورة تظهر افتهان المشهري، التي تحملت المسؤولية بشخصية اليمني البطل. المرأة التي فعلت ذلك في الحقبة التي يعبث فيها الرجال بالمسؤولية.
لم تصنع المشهري من الحرب عذرًا للانسحاب، كما لم تستغل المنصب للفساد والإثراء. كانت المرأة العصامية التي تحملت أعباء المرحلة المزحومة بالمنتفعين، المنشغلين ببناء أمجادهم الشخصية من الوضع العام والوظيفة العامة والعلاقات. كانت افتهان يمنيةً بلا حزب، أو هكذا ظهرت. وكانت بلا مطمعٍ شخصي، وعلى هذا النحو عاشت. كافحت من أجل تجويد عمل صندوق النظافة والتحسين، صدّت ضباع المكافآت وناهبي أموال المتعرقين، واجهت الجميع بصدق، واحتوت الجميع بمحبة. لم توقفها الأصوات الضاجّة التي استهدفتها أثناء أداء المهمة، ولم تُخِفها السمعة المتوحشة للمتربصين بها. لو لم تكن كذلك، لما كانت افتهان التي استمرت في الكفاح حتى الرمق الأخير، فكان هذا الحضور الاستثنائي حتى في لحظة الغياب. حضور على مستوى البلاد كاملة، وليس على مستوى المدينة أو المحافظة فقط.
في الصورة نفسها تظهر آثار الحرب على مقر حزب الإصلاح، الحزب الذي تحمّل المسؤولية في الحقبة التي انهار فيها الجميع.
لم يستسلم الحزب، لرشقات التهم التي لم تتوقف منذ أن كانت الحرب في صعدة:
عندما وقف مع أبناء دماج السلفيين، اتهمه البعض بالوهابية والاحتشاد لغرض مذهبي. وحين حمل الإصلاحي المنتمي للقبيلة سلاحه في المواجهة، صوّر بعض المصابين بلدد الخصومة المعركةَ على أنها بين الإصلاح والمليشيا، بدعم من اللجنة الخاصة التي تمول القوى الرجعية. حتى في بعض المعارك التي خاضها الجيش قبيل اقتحام صنعاء، وأعلن الحزب وقوفه مع الجيش، قال البعض إن المعركة بين الإصلاح والمليشيا.
عندما سقطت البلاد محافظةً محافظة، ومدينةً مدينة، وقريةً قرية، ووصلت الحرب إلى شوارع محافظة تعز بعد الاستيلاء على مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية في المحافظة، وبقيت مقار الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني داخل المناطق التي سيطرت عليها المليشيا، في تلك اللحظة كان مقر الإصلاح في شارع جمال بيتَ الجميع: الدولة والأحزاب، العسكر والمدنيون. في ذلك الوقت، كان أعداء الجمهورية، يطلقون النار على المقر نفسه، من الشارع المقابل.
ورغم القوة الهائلة التي امتلكتها مليشيا الحوثي وقتئذ، صمد هذا المقر، ليساهم في هذه الأجواء، التي ـ لو لا صدق المناضلين الوطنيين وشجاعتهم في المواجهة، لما كان هذا الحضور.
في الصورة يلتف العلم الجمهوري حول كتفي الشهيدة افتهان المشهري، كما يزين واجهة المقر الجريح.
المصدر: يمن شباب نت