
المحاصصة.. سرطان ينهش جسد اليمن الممزق
تتآكل روح الدولة اليمنية بفعل آفة المحاصصة السياسية، التي أثبتت التجربة المريرة أنها ليست مجرد فشل، بل هي السرطان الذي ينخر في عظام هذا الوطن الممزق. نعم تحولت المحاصصة إلى وحلٍ يغرق فيه الجميع، وكل حزب يزايد على الآخر، لتكون النتيجة الحتمية هي سلسلة لا تنتهي من الإخفاقات التي يدفع ثمنها المواطن البسيط من دمه وقوته.
الحزبية، في جوهرها، وُضعت لتكون تنافسًا شريفًا يهدف إلى خدمة المواطن والرقي بالبلاد. كان من المفترض أن تتسابق الأفكار والبرامج، لا أن تتصارع الكيانات على تقاسم الوظائف والمناصب كأنها غنائم حرب. لكن الواقع المحاصصي في اليمن حوّل كل ذلك إلى سراب أليم.
في هذا النظام، أصبحت معيار الاختيار في المناصب هو الانتماء الحزبي أو الفئوي، لا الخبرة أو الجدارة. هكذا، يتصدر غير الأكفاء المشهد، بينما تُهمّش الكفاءات الحقيقية التي يمكنها أن تبني وتنهض بالبلاد. إنه تسليم لمقاليد الأمور لأيدٍ غير أمينة، وقلوبٍ لا تحمل همَّ الوطن بقدر ما تحمل همَّ الحصة.
عندما تُصبح الوظائف مقاعدَ تُوزع بالولاء لا بالكفاءة، يزدهر الفساد وتنتشر المحسوبية كانتشار النار في الهشيم. يتحول المال العام والموارد إلى أداة لتحقيق المصالح الخاصة والفئوية، بدلًا من خدمة المصلحة الوطنية العليا. تُمتهن كرامة الموظف، ويُظلم المواطن، وتُخنق أي بادرة أمل.
نتيجة مباشرة لتغليب الولاء والفساد، يتراجع أداء المؤسسات الحكومية بشكل كارثي. تنهار الخدمات العامة، وتتدهور البنية التحتية، وتغرق المدن في الظلام، كل ذلك بسبب عدم الكفاءة وغياب الرقابة والمساءلة. المواطن يواجه عتمة الليل في بيته، وعتمة المستقبل في روحه، بينما المسؤولون يتنازعون على تقاسم البقية الباقية من هذا الوطن.
عندما يرى المواطن الخدمات تنهار، والفساد يستشري بلا رادع، والتعيينات تتم على أساس الولاء لا الكفاءة، يفقد تمامًا الثقة في مؤسسات دولته وفي قدرتها على تحقيق العدالة أو التنمية. هذا الإحباط يتحول إلى يأس عميق من أي إمكانية للتغيير، حيث تبدو الدولة وكأنها مُقسمة بشكل دائم بين كتل متنافسة، مما يدفع البعض للبحث عن بدائل خارج الأطر الرسمية، أو ببساطة، الاستسلام لمرارة الواقع الذي لا يرحم.
إن اليمن، بجراحه الغائرة، بحاجة ماسة إلى نفض غبار هذه المحاصصة. بحاجة إلى إعادة بناء دولة تقوم على النزاهة المطلقة، وتقديم الأكفأ والأخلص لخدمة هذا الشعب الصابر. آن الأوان لوضع حد لمسلسل الإخفاقات، وبدء مرحلة جديدة يكون فيها التنافس الشريف هو السبيل الوحيد نحو بناء يمن قوي وموحد، يرتكز على قيم المواطنة المتساوية والكفاءة الحقيقية.
المصدر: يمن شباب نت