سلطان تعز ومكحل إب

يرتعب الحوثيون من أي صوت يرتفع ضدهم في مناطقهم، يتخيلون مقدرة ذلك الصوت على قلب الأمور عليهم في المنطقة كلها، ومؤخراً بدأت الأصوات ترتفع بأنحاء مختلفة من الجمهورية: عمران، صنعاء، تعز، إب. قيادات الحوثي تنتهبهم ويقومون بتعميد ما نهبوه بالدم والنار، كما يحدث مع أصحاب قرية صرف بصنعاء.

قد يقوم البعض بإرجاع صمود أهل صرف في وجه الحوثي إلى طبيعة البيئة الاجتماعية وبنيتها القبلية، ولكن الواقع يقول أن الناس في مناطق الحوثيين ملوا المليشيا حتى في تلك التي لم يتوقع الحوثيين أن يخرج إنسان يصرخ ضد أقوالهم أو أفعالهم، مثل محافظتي تعز وإب.

في المحافظتين المذكورتين، ارتبك الحوثيين في الأيام الماضية من شخصين لم يستخدما أي قوة، الأول: مسلوب تعرض للنهب في تعز، والثاني مصاب باكتئاب لم يطق الحياة تحت ضغوطات الحوثي، لكنه يعرف كيف يرسل الفيديوهات على فيسبوك ويوتيوب!.

الأول، هو محمد سلطان شداد، نهبه الحوثيون عشرات الملايين، نجا من محاولة اغتيال بعد إصابة خطيرة تعرض لها، فقد مشروعه "محطة لتزويد النفط"، سجنوه، اعتقلوا ولده لأنه يطالب بالإفراج عن والده، كتفوا يديه للخلف؛ ومع ذلك لم يسكت، وفي كل مرة يخرج ويواجههم بصوت مسموع طلباً للحق المستلب.

هذه المرة تختلف عن سابقاتها، إذ أزعجهم محمد سلطان مع أنه مكبل اليدين، رغم ما فعلوه وما يفعلونه لم يصمت أو يخاف. وهو محتجز بداخل معتقل في منطقة الجند، قام بتحوير الجزء الأخير من الصرخة الحوثية وترديدها مع المعتقلين وتعميمها على آخرين كما يبدو، صادر الحوثيون بعد ذلك هاتفه، واستجوبوه بسبب هذه الصرخة:

الله أكبر  

الموت لأمريكا

الموت لإسرائيل

اللعنة على الظالمين

النصر للمستضعفين

يحتار المشرفون والذين انتحلوا الرتب، وغيرهم من قيادات المليشيا مرتبكين: هل هؤلاء معنا أم ضدنا؟

صرخة سلطان ارتفعت بعد قيام الحوثيين باقتحام ونهب شركة بلقيس الصناعية شرق تعز. لم تكتفِ المليشيا بالإتاوات والمجهود الحربي وطلبات المشرفين التي يفرضونها على التجار والباعة المتجولين هناك، يريدون لقمة كبيرة هانئة تشعرهم بقليل من الزهو في المحافظة التي كسرت كبرياءهم أول الحرب.

لم يجد الحوثيون لقمة كبيرة أفضل من شركة متوقفة مساحتها قرابة1500 قصبة فقط وربما أكبر قليلاً، وبداخلها أكثر من عشرين مبنى! سال لُعاب النهب، وظلوا يحومون حول الشركة ويعتدون على القاطنين فيها بذرائع واهية حتى يختلقون ذريعة لمد يدهم إلى اللقمة دون أن يختنقوا بصرخات أصحابها أو ضجيج المعترضين.

الذريعة التي أتى بها الحوثيون أن الشركة تابعة "لعفاش".

من داخل المعتقل، تحداهم محمد سلطان شداد أن يثبتوا أن لعلي صالح يد في الشركة التي تأسست قبل وصول الرجل للحكم أصلاً، وأخبرهم أنه مستعد لحكم الإعدام إن أثبتوا ذلك أو بأي حكم يريدونه كمكافأة لهم إلى جوار حجز ممتلكاته، ومصادرة الشركة التي تعتبر في الوقت الراهن، أكبر مشروع خاص في تعز تدور حوله مليشيا الحوثي للاستيلاء عليه!

 

*

في إب الوضع يختلف عن تعز، وإن كان الخوف الذي يُزعج المليشيا واحداً.

في الأيام الماضية، خرج شاب يعاني من حالة نفسية (بالنظر إلى ما يقوله، والله ما نعاني من حالة نفسية إلا احنا أو الصامتين)، المهم أن الرجل المكحل يملك صفحة على فيسبوك ويعيش في إب ـ المدينة القديمة، وكل حين يقوم المكحل ببث مباشر منتقدا الحوثيين وجرائمهم، هو شخص غريب الأطوار:  يحب كلام الله ويشتم، يلوك القات ويضحك، يسمع المواعظ والتواشيح التي فرضها الحوثي على مساجد المدينة ويهزأ، يبث كل شيء مباشر بلا خوف أو غير مباشر على يوتيوب، وبلهجة المدينة ولكنته الخاصة وجنونه الذي لا يخطئ الهدف!.

المكحل يسوق دراجة نارية ويبث من على الدراجة أيضاً. ينتقدهم ويقول لهم بمكانه، ينفث دخانه ويفتح شميزه ليسأل الحوثيين فيما معناه: ما الذي ستفعلونه؟ اشتقتلونا.. اقتلونا.. والله ما معكم إلا تقتلونا.. كرهتونا بالحياة!..

عقب ذلك أعلنت الأجهزة التابعة للمليشيا استنفارها للقبض على الأمير المكحل.. حملات أمنية تبحث عنه، وأطقم عسكرية تحاصر المدينة القديمة، والمكحل يخرج بفيديو مباشر من المطعم جوارهم، أو من غرفته على بعد أمتار من تمركز الأطقم. أيام والحوثيون في حالة طوارئ للقبض على شاب يمني محبط نفسياً كل ما يملكه صفحة بالفيسبوك ودراجة نارية!.

شاهدت مقطع فيديو للأطقم التي قبضت عليه، السائق مستنفراً كأنه ألقى القبض على أخطر زعماء العصابات المكسيكية، الونان شغال، والمكحل في الخانة الوسطى ينفث الدخان وكأنه في عالم لوحده!.

مثل هذا يرى أنه صاحب الحق في ماله، أو الحق في الحياة بعيدا عن ضغوطات المليشيا،  يؤمن أن أقصى ما سيفعله الحوثيون هو القتل، وهل هناك فرق بين ميتة متقدمة أو متأخرة، قل كلمتك في وجه ناهبك ومن ضيق عليك الحياة، ثم مت أو عش رافع الرأس، لا فرق.