اسحبوا أولادكم من المدارس

مزقوا المناهج الحديثة، نظِّموا اضرابات شاملة ومفتوحة، اسحبوا أولادكم من المدارس، استحدثوا برامج تعليمية عن بعد. فكروا بكل الطرق لمنع الجماعة من فرض سياساتها التعليمية المدّمرة. مناهج التعليم هي تعبير عن العقل الجمعي للأمة، تصاغ وفقًا للمبادئ المشتركة للشعب وحين تفصِّلها جماعة وفقًا لرؤيتها الخاصة، نكون أمام أكبر عملية تزوير تقوم به جماعة من الدّجالين لهوية شعب كامل. 

حتى لو تجاوزنا الجدل النظري المعقد حول مفهوم "الهوية" حتى لو تقبلنا الرؤية الطائفية ووافقنا عليها بشكل جماعي، وارتضيناها بقناعة حرة وكاملة؛ يظل سلوك الجماعة الح وثية كارثي من منظور المجتمع المدني ويقوِّض مفهوم التعايش كليًا. الأمر لا يتعلق بحساسيتنا من أفكارها الطائفية فحسب؛ بل يتجاوزه نحو خطورة أكبر: تعطيل الشروط الأساسية لقيام مجتمع حديث. ما يعني أن الصمت على سلوكها، سيلغي إمكانية تأسيس دولة لعقود طويلة قادمة.

نحن أمام أكبر عملية ارتداد خطير تقوم بها سلطة لتشويه الوعي العام وسحبه نحو منحدرات بدائية. ما يقدمه الحوثي ليس احلال رؤية جديدة مكان رؤية سابقة. فما تملكه الجماعة لا يرقى لمستوى التصور الوجودي الشامل للحياة، فهو لا يتعدى كونه خليط مشوّه من الأباطيل، تصورات مبتورة تصل خطورتها لتعطيل عقول الأجيال وليس تسميمها فحسب. هذا التلميذ الذي يتغذى خياله طوال العام، بحكاية الحسن والحسين وفاطمة الزهراء ومالك الأشتر. لن يكون قادرًا على التفاعل مع مفاهيم: الديمقراطية والتعددية والإرادة الحرة ولن يفهم شيئًا عن فكرة "المواطنة" سيكون مستعدًا للموت انتصارًا لرؤية السيد ولن يتردد عن غرس خنجره في عنق من يعارضه. 

الحو وثي يضع البذور الأولية المؤسسة لحرب أهلية قادمة، حرب أشد خطورة من حروب السيطرة ذات الدوافع السياسية.إنها تؤسس لتوتر فكري جذري يصعب السيطرة عليه في قلب الأسرة الواحدة. هذه معركتكم الحقيقية مع السلالة، معركة تغيير المناهج، يمكنكم تحويلها لمظاهرة كونية مفتوحة ضد الجماعة. قاوموها بكل الطرق الممكنة، حتى لو اضطررتم للتوقف عن الحاق أبناءكم بالمدارس، هذا أهون من تعريض الأجيال للمناهج المسمومة. 

الح وثي يسطو على حاضرنا ويمنح نفسه حق صياغة المستقبل. نحن الآن أمام حرب السيطرة على التصورات الأساسية للحياة. وإن أكبر بواعث العار أن تصمت النخبة المثقفة أمام هذه العملية، تتخلى عن وظيفتها في صياغة القواعد المنظمة للوعي العام، وتتركها لصالح أقلية بلا عقل ولا مسؤولية تاريخية ولا أخلاق. 

لدى جماعة الح وثي وقاحة تاريخية مخيفة، إنها ماضية في السيطرة على النشء وتثبيت سلطتها بشكل جذري. يتمتعون بعزيمة واصرار غريب وفعال وغير قابل للمراجعة. لا تكترث لأي صرخات رافضة لنهجها، وتعتقد أن بمقدورها التصميم على رغبتها ولسوف تتمكن في النهاية من تمريرها ككل سياساتها الأحادية. هي تعلم أن سيطرتها العسكرية تظل مجرد سيطرة فوقية غير مضمونة، وترغب بتأثيثها بواسطة التعليم. 

قد لا يكون بمقدوركم مقاومة وجودها العسكري كمجتمع مجرد من أدوات القوة؛ لكنكم تملكون القدرة الكاملة على تعطيل نهجها الاستحواذي واستلاب أطفالكم. عند هذه النقطة المجتمع أقوى من السلطة، أنتم جوهر الحكاية، أبناءك في البيت، ولست بحاجة لشهادة مدرسية من هذه الجماعة؛ كي يغدو معترف به ويترقى في ميدان الحياة. 

معاذ الجنيد، هذا الشاعر الطائفي المسموم، يأخذ مساحة الشاعر الكوني، صاحب الروح الوجودية العليا، عبدالعزيز المقالح. يا له من عار يستوجب الخروج عند الظهيرة والصراخ ضد كل ما تمثله هذه الجماعة المارقة. الكرة في ملعب الشعب، دافعوا عن حق أبناءكم في تلقي معرفة خالية من الضغائن وصالحة للتواصل الحر مع العالم الحديث. أو فلتكونوا مستعدين للعيش في انتكاسة طويلة، وحده الله يعلم متى ستنتهي.