هل تجريف السعودية والإمارات للاقتصاد اليمني يساعد على هزيمة الحوثي؟
ربما انشغل اليمنيون في التركيز على ما تقوم به السعودية والإمارات من تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة وللشأن السياسي ، دون التركيز على ما هو أخطر من ذلك ، وهو الجانب الاقتصادي ، فما يقوم به البلدان هو في حقيقته اغتصاب ينزع عن هذا البلد أعز ما يملك من قدرة ومكانة وإمكانيات.
في إحدى مقابلاته ، قال عبد الخالق عبدالله المقرب من محمد بن زايد إن الإمارات لم تأت إلى اليمن من أجل مصالحها وليس لديها أي مصالح ، كون اليمن من أفقر الدول العربية ، وأن وجودها في اليمن من أجل أسباب واضحة ومشروعة وأهمها وفي مقدمتها أنها جاءت بدعوة من الحكومة الشرعية ، وثانيا حرصها على أمن واستقرار اليمن والذي يعد أمن واستقرار السعودية ودول الخليج ، وثالثا لوقف التمدد الإيراني .
وحينما نقف على حقيقة الوجود الإماراتي ، نجد أن الإمارات عملت مع شركة أمريكية تتبع الإسرائيلي الأمريكي إبراهام جولان لإدارة برنامج اغتيالات ضد سياسيين في حزب الإصلاح الشريك الرئيسي في الشرعية التي قال عنها عبد الخالق إن بلاده جاءت بدعوة من هذه الشرعية ، وقد أقدمت الإمارات على تلك الاغتيالات بدعم من المخابرات الأمريكية ، بحسب جون روستين الذي قال ، إن الإمارات صنفت حزب الإصلاح كجماعة إرهابية ، كان هذا الأمر في عهد إدارة أوباما ، أي في بداية الحرب ، لنعرف حقيقة الأهداف التي جاءت من أجلها الإمارات .
وقبل أن أستكمل حديثي عن تجريف السعودية والإمارات للاقتصاد اليمني ، أعرج بالتساؤل : لماذا الشرعية صامتة حتى الآن عن دور التحالف السلبي والذي أوصل البلد إلى ما وصلت إليه ، ولماذا تمارس قيادات الإصلاح الصمت حتى هذه اللحظة دون ملاحقة الإمارات أمام الأمم المتحدة والمحاكم الدولية ، فما صرح به روستين للقنوات أو كتبه في الصحافة يعد أمرا خطيرا ، وسكوت قيادات الإصلاح على ذلك يؤكد ، إما أنهم بالفعل جماعة إرهابية ، أو أنهم يساعدون الإمارات على المضي في برنامج الاغتيالات ، وحرف مسار الحرب.
أعود مجددا إلى الحديث عن الدور التدميري لتحالف دعم الشرعية الذي يمارسه في اليمن ، فبالإضافة إلى سوء إدارته للملف السياسي ، الأسوأ من ذلك انهيار الوضع الاقتصادي ، والذي تتضح معالمه من انهيار الريال أمام الدولار والذي وصل إلى ١٤٠٠ ريال مقابل الدولار ، في الوقت الذي يئن فيه الشعب تحت وطأة الجوع وغياب الخدمات .
ولست بحاجة للقول إن ذلك أمر مقصود ، فالتحالف يغلق المطارات والموانئ ويمنع التحكم بثرواتنا ويتقرصن عليها ، وبين الحين والآخر تعلن السعودية عن طرح وديعة في البنك ، كنوع من التخدير من ناحية ومن ناحية أخرى تعزز رصيد الفاسدين من اليمنيين والسعوديين الذين يبتلعون مثل هذه الودائع دون معالجات حقيقية للوضع الاقتصادي .
لن تكون الوديعة سوى مسكن جديد غير كاف لاستقرار الريال وإخراج اليمن من دوامة الأزمات الوجودية التي تعيشها اليمن بشكل متواصل منذ انقلاب عصابة الحوثي الإرهابية على شرعية اليمنيين ومؤسساتهم وإعطاء فرصة لتدخل السعودية والإمارات ومن ورائهما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا .
حتى هذه اللحظة ومنذ أكثر من سبعة أعوام ، تمنع السعودية والإمارات أي جهد حقيقي لتأليف حكومة وطنية ، حتى اتفاق الرياض الذي صنعته السعودية عطلت الشق العسكري والأمني فيه ، لكي تظل الشرعية محتاجة لها وغير قادرة على إدارة مؤسساتها المصادرة من المجلس الانتقالي بدعم من الإمارات التي تسعى إلى إطالة الفوضى في اليمن وتمزيقه بأي ثمن .
يقف المرء مشدوه الفم حينما يسمع عن مشاركة القوات الإماراتية في ليبيا واليمن وكوسوفو واليونان و أفغانستان وحلف الناتو بهدف حماية الأمن الدولي كما تقول ، في الوقت الذي نجدها غير قادرة على حماية جزرها المحتلة من قبل إيران التي جاءات تحاربها في اليمن ، ليتأكد لنا أنها عبارة عن أداة رخيصة بيد إسرائيل ودعم من أمريكا لإحداث هذه الفوضى في المنطقة العربية .
سأحاول أن أنزع عن نفسي كل الشكوك حول سياسة المملكة العربية السعودية تجاه اليمن ، وسأصدق أنها تريد دعم الشرعية ومواجهة التمدد الإيراني في اليمن ، لكنني لا أستطيع أن أقنع نفسي بأي تغيير سياسي بدون إعادة صياغة النموذج الاقتصادي ، فالإصلاح المالي يشكل خطوة أساسية لتصميم هذا النموذج وبناء الدولة ، فكيف أصدق أن السعودية تريد استرجاع الشرعية وهي تمارس تجريفا للاقتصاد اليمني ، حتى أضحت الأزمة الاقتصادية في اليمن تصنف ضمن الأزمات الثلاث الأولى في العالم خلال ١٥٠ عاما الماضية .
وخلاصة القول، ما قالته مجموعة الأزمات، بأن التحالف، وتقصد به السعودية والإمارات، يخطط إلى التخلي عن هادي ومن معه لجعل الشرعية في مأزق ، مع عدم وجود مجموعة أو فرد ينظر إليه دوليا على أنه السلطة الشرعية ، فتستمر الحرب برعاية إقليمية ودولية ، وحينها لن ينفع أولئك الذين اصطفوا مع التحالف وشرعنوا للحرب أن يقضوا ماتبقى من حياتهم في رحاب مكة أو المدينة ، وهذا يحتم عليهم أن يعيدوا هيكلة الشرعية بما يتناسب مع الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي وتفعيل الدبلوماسية بما يحفظ بقاء اليمن في المحافل الدولية .