حراسة تعز.. تقويض لمشروع الملشنة الإماراتي
- السبت, 22 أغسطس, 2020 | محمد المياحي
بقدر ما تحتاج تعز إلى تجنُّب المواجهة العسكرية بين أبنائها بكل السبل الممكنة، تحتاج أيضًا لاتخاذ كل التدابير الحاسمة؛ لمنع الإمارات من تأسيس وجودها في المدينة بأي شكل من الأشكال. كلا الأمرين يبدوان على ذات القدر من الأهمية، منع الاقتتال في التربة تحديدًا، ومحاصرة الملشنة الإماراتية في الحجرية بشكل عام.
إن كان القتال بين أبناء المشروع الواحد في تعز، فضيحة تُلطخ صورة المدينة المسالمة بالدم، وتُسقط كل دعاوى الحلم المدني الذي ناضل أبناء تعز من أجله طويلاً؛ فإن السماح لأذرع الإمارات بتأسيس وجودها الخاص في تعز وانتزاع مناطق جغرافية لحسابها، يعد بمثابة ضربة قاصمة لأحلام التعزيين جميعًا، وتمهيدا لنحر مدينتهم بالكامل، وتدمير أي أمل مستقبلي بتثبيت فكرة الدولة بالشمال، على غرار ما فعلت الإمارات في الجنوب.
إن الاحتفاظ بتعز كمدينة مغلقة أمام مشروع النفوذ الإماراتي في اليمن، هو حجر الزاوية لتقويض مشروعها في كامل الشمال وإعاقتها من مواصلة دورها التفتيتي في البلاد، والأمر لا يتعلق بحماية تعز فحسب؛ بل تشكيل حائط صد وطني للدفاع عما تبقى من سيادة البلاد في وجوه المطامع الإماراتية السافرة والمتمددة كل يوم في محافظة جديدة.
من هذا المنطلق، يكون حراسة تعز من أي وجود إماراتي يسحبها بعيدًا عن فكرة الدولة، هو البداية لتشكّل مشروع نضال وطني لمقاومة النفوذ الإماراتي في البلاد ومحاصرة الحالات المليشاوية التابعة لها في بقية المناطق.. ولتكن البداية من تعز المعروفة بإجهاضها لكل المشاريع الصغيرة المفارقة لفكرة الدولة مهما كانت مسمياتها ومن أية جهة صدرت.
إن ما تعيشه تعز هذه الأيام، هو البدايات الأولى لإرهاصات المشروع الإماراتي، سواء فيما يتعلق بمؤشرات التمرد العسكري من قبل بعض ضباط اللواء 35 الموالين للإمارات، أو تسيير مظاهرات تدعم ذات التوجه مهما كانت الشعارات المزعومة التي تتحرك تحتها، لجانب الجدل الدائر حول موضوع توطين عائلات تابعة لعساكر وضباط تابعين لطارق عفاش في الحجرية.
بمعنى آخر، ما يحدث في الحجرية على الصعيد العسكري والسياسي، لجانب توظيف البعد الشعبي، كلها تُصب في نتيجة واحدة: إعادة تدعيم آخر المحاولات الإماراتية القديمة والمتجددة؛ لانتزاع موطئ قدم لها في جغرافيا تعز البرية وتثبيت وجودها هناك.
فبالرغم من وجودها على امتداد الساحل الغربي، ستظل الإمارات تشعر أنه وجود غير مؤّمن ما لم تتمكن من تأسيس ذراع عسكري يتبعها في الداخل التعزي، ويكون بمثابة سياج يحمي وجودها المكشوف في الساحل. ولأجل هذه المهمة تقاتل بكل جهدها لسحب اللواء 35 وتجييره لصالحها، لجانب محاولاتها إجراء عملية توطين لعناصر سكانية مختارة بشكل محدد؛ لتكن بمثابة حاضنة شعبية لتحركاتها مستقبلا في نفس المنطقة.
الخلاصة: ما تزال اليد الطولى في تعز هي لصالح الشرعية، وما لم تتحرك الدولة للسيطرة على الوضع بشكل حاسم، وتعيد ترتيب أوضاع المدينة عسكريًّا وأمنيًّا وتحييد الخطر الإماراتي بشكل نهائي، دون الوقوع في فخ الاقتتال، فإن بقاء الوضع مائعا وغير محسوم يمنح الإمارات فسحة زمنية لسحب الجزء الأكبر من اللواء 35 بعيدًا عن إطاره الدستوري وبما يخدم أطماعها، وهو ما يعني نجاح الإمارات في الدفع باللواء نحو مواجهة عسكرية مع قيادة المحور، وإحداث شرخ عسكري في تعز، لن يكون من السهولة احتواؤه فيما بعد.
إن القبول بأية حلول وسطية في تعز، ودون أن يوضع حدًّ نهائيً للأصابع الإماراتية في المدينة وداخل معسكرات الجيش، لا يعني شئيًا سوى تخدير مؤقت للمشكلة، وسرعان ما سيعاود الوضع الانفجار، ريثما وجدت الإمارات أنها باتت قادرة على قلب الطاولة وحسم المعركة لصالحها. وإن تجربة التعامل مع أدوات الإمارات في كافة المناطق المحررة؛ تؤكد لنا أنها تنتهج أسلوب التمردات المرحلية والانقلابات المقسّطة حتى تكتمل الدائرة وتتمكن من تحقيق الغاية بعد سلسلة محاولات متعددة تنتهي لصالحها في أغلب الأماكن والأزمان.