ممدوح المدينة والصبر والمعنى

الصبر عند ممدوح الحميري كان حياة كاملة. حمل آلامه وأوجاعه بصمت، واستمر في الحركة والعمل رغم كل الصعاب. مرضه لم يمنعه من الحضور الدائم والوقوف مع الناس وفيهم، لم يظهر ضعفًا، وظل حاضرًا في منابر المساجد والأزقة والجبهات، يذكرنا بحاجة الحياة إلى الثبات.

ممدوح يمثل حالة فريدة، إذ يصبح الصبر والفعل وحدة متكاملة. الصبر عنده ركيزة وحضور دائم، وقدرة على احتمال الطريق الطويل دون أن يفرّ الإنسان أو يتخلى عن الآخرين. المدينة والناس والفكر والصبر والفعل تشكلوا ككيان واحد في حياته.

الفكر عنده امتد مباشرة إلى الفعل. المنبر لم يختلف عن الواقع، ولم ينفصل الكلام عن العمل. يرى الدعوة والسياسة والمجتمع والجمهورية كمسؤولية يومية وكأرض للواجب. 

كان وعيه يتحرك مثل صبره. الحياة بدت كما لو أنها امتحان للصبر وخلق المعنى واختبار لمدى استعداد الانسان للمسؤولية والتحدي.

في أوقات الحرب، ظل ممدوح ثابتًا. لم يهرب من الخطر، ولم يترك أحدًا يواجهه وحده. حضوره كان قوة حقيقية تساهم في الحفاظ على روح المدينة وتدعم الناس في مواجهة الخطر.

يرى في الإيمان طاقة للفعل يمدها بالصبر.. انطلق يقود مقاومة أخلاقية وسياسية داخل مدينته ضد الاجتياح ودافع عن الخدمات العامة والناس بوصفه استمرار لمعنى الجهاد.

يتحدث مزيج بين الفكر والوجدان والأدب وحرارة الإيمان وصدق التجربة. مزيج بين الشعر والموقف. لغة الصبر الجميل في شخصية محارب كبير.

الداعية والأديب والمحارب، عاش المعادلة الصعبة بين المثال والواقع، وتشكل فكره على تماسٍ مباشرٍ مع الجرح اليمني.

 هو أقرب إلى سيرة الروح الباحثة عن التوازن، انخرط في واقع الحياة والصراع دون أن يتصف بالصفرية والحدية ولم يكن متشدداً رغم صلابته في الموقف والعقيدة، ولم يهرب إلى العزلة ونقائها. 

كان ممدوح بفكره وصبره وحضوره، قوة مولدة للفعل والمعنى.

حضوره الأخلاقي لم يغب بينما تجلى حضوره الرمزي وروحه التي وزعها على الناس.

مات ممدوح، بينما روحه تحرس المدينة، تمنحها الصبر وتمدها بطاقة الفعل وثبات الموقف.

ماذا يريد الإنسان من الحياة سوى أن يترك أثرًا خالدا، أن يخلد بطريقة أو بأخرى؟ 

خالدا أنت يا ممدوح.

ما الخلود غير ذلك المجد الذي يتردد في حكايات المدينة عنك؟

بلقيس نت