
147 دويلة في وطن واحد
قبل 11 سنة كانت اليمن عبارة عن دولة واحدة ضعيفة، ودولة حوثية صغيرة في صعدة، ثم أسقطت دولة الحوثي الدولة اليمنية ومزقتها شر ممزق، تمزيق لم يسبق له مثيل في التاريخ اليمني، أنتج سلسلة لامتناهية من الدويلات اليمنية غريبة الشكل والمضمون.
في التصريح المنسوب إلى محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي، قال إن عدد المؤسسات الإيرادية الحكومية في المناطق المحررة التي تتمرد على القوانين وترفض توريد إيراداتها إلى البنك تبلغ 147 مؤسسة وهيئة إدارية.
لا يشير تصريح المعبقي إلى خلل إداري ومشكلة تنظيمية، بل يصور بوضوح تام إلى عدد الدويلات اليمنية المتناسلة في المناطق المحررة، والتي ليس لها حد بالتوقف عنده.
تعني الدولة في أبسط صورها ووظائفها أنها تنظيم مالي معين بترتيب معروف، وخدمات تقدمها، مقابل تحصيل الأموال، وبالنظر إلى تلك المؤسسات الحكومية التي لا تورد إيراداتها إلى حسابات الحكومة، فإنها تعني صارت ملكية مستقلة خاصة بمسمى دولة، لمديريها ورؤسائها، ولا علاقة لها بالدولة اليمنية القائمة شكلا تحت مسمى الجمهورية اليمنية أو المناطق المحررة التابعة للحكومة الشرعية.
أكثر من ذلك لا تلتزم تلك المؤسسات المنفصلة عن الحكومة والشعب بأي خدمات والتزامات تجاه موظفيها أو بالأحرى تجاه مواطنيها العاملين فيها، فتجد معظم الموظفين في المؤسسات العامة تلك يعانون كما يعاني الشعب من انقطاع الخدمات والمرتبات وانهيار العملة والتضخم وغلاء الأسعار وغيره من صنوف الذل والمهانة.
الأغرب في هذا الأمر أن محافظ البنك نفسه، عند تصريحه بهذا الانفصالات الهائلة لم يقل إنه سيتخذ أي إجراء أو سيسعى للحد منه، أو سيكشف عن أسماء تلك المؤسسات والهيئات، والأشد إثارة للغيظ أن المسؤولين عن تلك المؤسسات الانفصالية في مختلف المحافظات، يفعلون ذلك بجرأة ووقاحة وعلانية، ودون أي خوف من أي أحد، ودون أي حياء أيضا، وربما يعدون ما يفعلونه بطولة مثيرة وملهمة.
ما يثير الغضب أكثر أن لا أحد من الناس يعترض على ما يجري، ولا حتى يسأل أسئلة بديهة، لماذا هذه المؤسسات لا تورد إيراداتها؟ ولماذا لا تفعل واجباتها ؟ وبأي حق تقوم بهذا الإجرام؟ وإلى متى سيستمر هذا التصاعد في الجريمة المنظمة من قبل المؤسسات الحكومية؟ في الوقت الذي يعيشون فيه أسوأ صور المهانة والإذلال والحرمان وانتهاك الكرامة هم وأطفالهم وأسرهم وعائلاتهم ومجتمعهم.
يشير الواقع الحالي إلى يأس تام يضرب أعماق الشعب اليمني ويتغلغل في وجدانه، وصار مجتمعا مخدرا يائسا من الحياة ومنفصلا عنها، أكثر من يأس المجرمين المحكومين بالإعدام الذين ينتظرون قرارات تنفيذ الإعدام.
المؤسسات التعليمية ليس لها صوت، وقد مرت سنوات فعلا دون تعليم، وأئمة المساجد والخطباء والفقهاء لا رأي لهم ولا حديث في هذه المواضيع، والنقابات المهنية لم يعد لها وجود، والكتاب والمثقفون صاروا في الأغلب متخندقين للدفاع عن انفصالات تلك المؤسسات عن الدولة، أما القوى السياسية والاجتماعية والحزبية، فهي التي تقود عملية التقسيم والتحاصص والاستيلاء والتدمير على المؤسسات الحكومية، دون أي ردع حتى من أعضائها رغم أن المستفيدين من تلك المؤسسات حفنة من الانتهازيين، يعتمدون على أعضاء مكوناتهم للدفاع والترويج عن جرائمهم تحت عنوان بطولي.
لم يكن الحال في اليمن بهذا الشكل من الظروف العصيبة، في جميع النواحي دون صوت مرتفع وألم يعبر عن هذا الجرم الكبير، خلال عقود الجمهورية الفائتة، والأدهى أن لا صوت يعترض وينادي ويكشف عن هذا الإجرام ويسأل إلى متى سيستمر هذا الحال في ظل هذه الحفنات المتناثرة من العصابات المتناقضة والإجرامية التي لا يجمع بينها شيء سوى العدوان على الشعب اليمني.
المصدر: يمن شباب نت