الإمارات تدعم مشروع تجزئة اليمن علنًا فماذا عن السعودية؟!

الإمارات "الشقيقة" تدعم  تجزئة اليمن "الشقيق" وتزود الإنفصاليين بكل أدوات الخراب، وفرص الإنفصال بالقوة لو استطاعوا .


وتملك الإمارات إمكانات وقدرات وكفاءة في الإنجاز لمسها اليمنيون، لكنها كثيرا ما كانت في المكان الخطأ بالنسبة لليمن، فهي ضد اليمن، ويكفي أنها تدعم  تجزئة اليمن ولا تخفي أطماعها في اليمن، خاصة في بحاره وجزره وموانئه، وهذا أمر خطير ومهين.  وهي تدعم التجزئة بهدف تحقيق تطلعاتها في الهيمنة والتوسع والنفوذ وليس لمصلحة أحد في اليمن. 


 وتضطلع الإمارات بدعم آخرين في الساحل الغربي؛ يفترض أنهم وحدويون أكثر من غيرهم، لأسباب موضوعية، فأهم إنجاز يمني خلال قرن، تحقق على يد الرئيس صالح، على الرغم من أخطائه الكبرى الأخرى؛  لكن أصحاب الساحل لا يتحدثون عن وحدة اليمن،  لا من قريب ولا من بعيد؛ ولا بد أنهم صاروا يدركون بأن لا علاقة لمهمتهم  في الساحل  بتحرير صنعاء، كيفما كانت نواياهم، وهي حسنة بالتأكيد تجاه استعادة الدولة والحفاظ على الوحدة،  لكن لا بد أنهم قد فهموا أجندة التقسيم من لحظة إنزال علم اليمن من على محل إقامة طارق صالح في عدن ، بحضور قوات التحالف!


وكان يمكن فهم زيارة محمد بن زايد لطارق صالح بعد إصابته، على نحو إيجابي كبير، لو  أنها تنسجم مع دور وموقف إماراتي  مؤيد ومساند لوحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه وسيادته على كل أرضه.


 أين نحن وحلفاؤنا، بعد عشر سنوات تحالف، وتضحيات كبرى، من تحرير صنعاء، وأين نحن من الموقف الصريح الواضح في دعم وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه؟!


 الحقيقة؛ الذي يحظى بالتبني والدعم، هو مشروع الإنفصال؛ عسكرياً، من قبل الإمارات، وإشراك الإنفصاليين  في الحكومة والرئاسة دون تخليهم عن مشروع الإنفصال، يعد دعماً للإنفصاليين، من حلفائنا الإثنين، كليهما السعوديين والإماراتيين.


ويبدو أن الهدف والمحصلة هي إنهاك اليمن، لسنين قادمة، وربما عقود قادمة، وترسيخ سيادة الفوضى، ليكون اليمن مهيئاً لتحقيق الأطماع بيسر أكثر، وتجزئة ما يتبقى على أطماع الخارج، أكثر من شطرين، لو أمكن. إن هذا ما يجب أن يتنبه له اليمنيون ويتصدون له.


ونفهم أن الأتراك يجدون مصلحة مشتركة في وحدة جارتهم سوريا، فهل أن أشقائنا لا يجدون مصلحة مشتركة في وحدة جارتهم وشقيقتهم اليمن، ولذلك يتبنون تجزئة اليمن، صراحة وضمناً؟


وحتى لو لم يجد الأشقاء مصلحة مباشرة لهم من اليمن الموحد ؛ فمن حق اليمن؛ مثل غيره من بلدان المنطقة أن يحافظ على وحدته واستقلاله. والمهم هو أن وحدة اليمن لا تشكل خطراً على أحد بما في ذلك حلفائها وجيرانها؛ وفي الحقيقة فإن اليمن لا يشكل خطراً، إلا في حالة الفوضى والتشطير. وقد أثبت دعم مشروع التشطير خلال عشر سنوات، أنه ليس أكثر من مشروع فوضى. وقد أثبتت وحدة اليمن أنها السبيل السليم لحل المشاكل مع الجيران، بما في ذلك قضايا الحدود التي ظلت عالقة لعقود.


أما في السعودية فهناك مثقفون كما قال عبدالرحمن الراشد؛  يرون أن تقسيم اليمن مصلحة سعودية، لكنه نبه أولئك (الذين قد يعكسون ما يدور في بعض صوالين السياسة، أو قد يؤثرون فيها)، ونبه الإنفصاليين، الرومانسيين الحالمين أو الانتهازيين حسب وصفه، بأن ذلك، أمر بعيد المنال؛ وقال : إن تقسيم اليمن يتطلب أحد أمرين، إما أن يتفق كل اليمنيون على ذلك(يلزم استفتاء عام ولا يكفي أعضاء المجلس الثمانية ولا الحكومة!) أو أن تتبنى الأمم المتحدة قراراً بذلك.  ويدرك أبسط الناس أن ذلك مستحيل.


ونفهم أنه كان للسعوديين توجسات من اليمن الموحد، بسبب قضايا الحدود التي  ظلت عالقة حوالي ستين عاماً؛ وقالت Sandra Mackey في كتابها The Saudis : Inside The Desert Kingdom  الذي نشرته في 1987 إن طفرة النفط لم تغير رؤية السعودية تجاه اليمن بحيث يبقى مشطراً وضعيفاً؛ ولكن حسم مسألة التربص المتبادل كما سبق ووصفته في مقالي (اليمن والخليج في 2008) إنتهى بتوقيع إتفاقية الحدود عام 2000، وتم ذلك في ظل اليمن الموحد؛ أما قبل ذلك، فنعلم أن مقتل محمد نعمان وعبدالله الجحري كان بسبب موقفهما من اتفاقية الحدود؛ التي تم توقيعها في عهد الإمام يحيى والملك عبدالعزيز، ورأيهما بأن تكون  دائمة، بعد أن كانت مؤقتة، وتتجدد كل عشرين عاماً.  


وأظنني من أكثر الناس إهتماما بعلاقات يمنية سعودية طبيعية ومتكاملة ومنسقة على الدوام بما يخدم مصالح البلدين الجارين، وعبرت عن ذلك مراراً، غير أن تداعيات حرب العشر سنوات، بما في ذلك التعاطي مع مشروع الإنفصال والإنفصاليين، الذي عطل كل شيء، وأعاق تحرير صنعاء، دفعني قبل سنوات، لاقول لأحد الدبلوماسيين السعوديين المخلصين لبلدهم، لو وُجِد غير إيران في الساحة، لوضعنا يدنا في يدهم، من أجل إنقاذ بلانا، بعد كل خيبات الأمل!


الإمارات تدعم مشروع تجزئة اليمن علناً فماذا عن السعودية؟!


السعودية عزيزة علينا  بحق-ولا أقول هذا تملقاً- ولكنها كانت تستطيع أن تقف مع  اليمن على نحو أفضل بكثير، ولا أظن في ذلك تحاملاً  أو مجانبة للحقيقة. 

ومن المؤسف أن تقود تطورات اليمن، إلى حال كهذا- أي الإعتماد على الغير- ولو كانوا أفضل الأشقاء وأخلص الأصدقاء. ولكن هذا هو واقع الحال، المؤسف.. وواقع الحال أيضاً هو  أن ساسة أغبياء تعاطوا مع الحوثي بكيفية غبية منذ نشوئه حتى دخوله صنعاء.. أما "قادة اليمن" اليوم فهم من صُنع المملكة نفسها، وعلى يديها، وبموافقتها، وهنا تأتي مسؤوليتها ويأتي اللوم والعتب. 

في زيارة رسمية  للرياض في 2013؛ قلت في اللقاء مع وزير الإعلام والثقافة ومسؤولي وزارة الإعلام والثقافة السعودية : كنتم تأخذون على اليمن أنها كثيراً ما ذهبت بعيداً ( مشيراً إلى كلام الدكتور السعودي المتخصص في شؤون اليمن، سعيد با ديب؛ في 2006،  في ندوة حضرتها في دبي، مع المرحوم الدكتور عبدالكريم  الإرياني وآخرين… ) وقلت أيضاً في ذلك الإجتماع مع مسؤولي وزارة الاعلام والثقافة، مشيراً إلى مبادرة الخليج وآليتها التنفيذية : هاهي اليمن الآن تلد في قلب جزيرة العرب، ولم نذهب بعيداً، إلى بكين، أو موسكو أو حتى بغداد والقاهرة، على حد تعبير ذلك الأستاذ الجامعي السعودي؛ في ندوة دبي! وآمل أن نصنع مستقبل هذه الجزيرة معاً بما يفيد كل أبنائها.

ويدرك الأشقاء السعوديون، أن العالم صار يتغير  على نحو  ديناميكي وسريع، وأن اليمن غير المستقر سيكون مجالاً لتدخلات إقليمية ودولية لا تخدم استقرار المنطقة ومصالح شعوبها، ولا الأمن الوطني للأشقاء. ولنأخذ عبرة مما حدث من تدخلات، وتوترات،  خلال الستين عاماً الماضية.

وعلى أهمية دور السعودية، فإننا نؤمل أن قيادة المملكة الشابة تملك رؤية سليمة  لوضع جارها اليمن، وتصريح الأمير محمد بن سلمان بأن الشرق الأوسط سيكون أوروبا الجديدة ينم عن طموح كبير، وندرك  أن أوروبا  الجديدة قامت على أساس عدم تغيير الخرائط والحدود والحفاظ على الأوضاع القائمة دون تغيير، ورفض دعاوى الحركات الإنفصالية، ودعم الإقتصادات الضعيفة، ومن خلال ذلك، حققت أوروبا معجزة الإتحاد والاستقرار والأمن الجماعي، بعد أن عانت من الصراعات و الحروب والدمار قروناً، وبعد أن كانت حطاماً ورماداً بعد الحرب العالمية الثانية.  أما استراتيجية  التفكيك والتجزئة  والقضم والأطماع فهي التي تتسبب في الحروب والدمار والخراب والعداوات والإحن.

لم يخطئ كثير من المتابعين في تقديراتهم بأن الإستراتيجية التي اتبعها التحالف العربي في اليمن، ستدخل اليمن في متاهة تاريخيّة، لأن هذا ما حدث ويحدث بالفعل. 

وعلق  أحد الأصدقاء  قبل خمس سنوات على تعدد الكيانات العسكرية التي أنشأها التحالف؛ بقوله : إنهم يفخخون مستقبل اليمن؛ لكن ذلك الصديق النابه صمت بعد ذلك، مثل مئات النابهين الفاهمين الصامتين، وقليل منهم معذور إلى حد ما، وأكثرهم  يصعب تفهم موقفه وعذره وصمته!  

وإذا كان هدف التحالف العربي تفخيخ مستقبل اليمن، فقد نجح للأسف، ويستحق أن يبارك لنفسه، أما إذا كانوا يهدفون إلى تحقيق مصالح أشقائهم في اليمن، بما في ذلك دعم حكومته الشرعية، والحفاظ على وحدته واستقراره واستقلاله وسلامة أراضيه، بما يخدم مصالح الجميع المشروعة، بما في ذلك مصالح الجيران، فقد جنح التحالف وخرج عن الطريق، وتلزمه المراجعة عاجلاً غير آجل. 

أما خطة السلام، المتمثلة بخارطة الطريق التي يجري التفاوض بشأنها بين السعوديين والحوثيين، فهي ليست أكثر من مخطط فوضى قد تستمر خمسين عاماً.