في ذكرى مولد النور .. وقفة تأمل
ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم تختلف عن أي ذكرى فهو الرحمة المهداة والسراج المنير في النفوس المؤمنة إلى يوم الدين
ولذا يقتضي الوقوف والتأمل أمام هذه الذكرى كمحطة نور ونسأل ما الذي ينبغي أن نفعله ونتذكره، وما الذي ينبغي أن نبتعد عنه و كيف نكون أكثر قربا من روح محمد وأنواره وأن تكون الذكرى محطة مراجعه لتحديد قربنا وبعدنا من نور وخلق المصطفى ورسالته أفرادا وشعوبا.
الكثير من الأسئلة تحضر أمام عظمة الحبيب المصطفى ورسالته وواجبنا التوقف للمراجعة ولنحاول الإجابة والتأمل فالتأمل باب الفكر وبريد الذكر لنرى بعض نوافذ النور واشعاعات الرسالة على سبيل المثال
رسالة الأخلاق الكريمة:
نتذكر بين الاشياء المزدحمة في ديوان أنواره فترى قول المصطفى (انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وقول الله تعالى( وانك لعلى خلق عظيم) لنعرف قيمة الأخلاق وأين نحن منها، ونسأل عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم فتذكر (كان خلقه القران)، وإن القرآن يحث على العقل والتأمل والفكر والصدق والمروءة والكرم والنجدة ومناصرة المظلوم.
رسالة الحرية والمساواة ومناهضة العبودية:
نتذكر في المناسبة أن رسالته جاءت تحث على التوحيد والتنزيه للخالق وأن الشرك ظلم عظيم وأن لا يتخذ بعضنا أربابا من دون الله (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ)
وأن جوهر رسالة حبيبنا هي الحرية والمساواة و تحرير الإنسان من ظلم الإنسان وطغيانه لخصها الصحابي ربعي بن عامر أمام رستم قائد الفرس عندما سأله قبل معركة القادسية ما الذي جاء بكم ؟
قال :جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد (حرية)، وأضاف المغيرة بن شعبة: والناس كلهم لادم أخوة لاب وأم (مساواة) مقولات جامعة للحرية والمساواة وحقو ق الإنسان
رسالة الرحمة للعالمين وكل ذي كبد:
نتذكر في ذكرى مولد النور أخلاقه وصفاته السامقة ونعرف كيف لخصها القرآن(وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) والرحمة جامعة للصفات والاخلاق كدعوة للعالمين وليس حكرا على قبيلة أو عرق أو أمة بعينها؛ رحمة تسع العالمين وكل خلق الله الإنس والجن الكافر والمسلم الصالح والطالح وإن الناس مكرمين بأمر الله كونهم بشر أولا يستحقون بمجرد انسانيتهم الرحمة والرحمة أشمل من العطف والحب ومنها يخرج الإحسان والإكرام وحماية حقوق الإنسان كإشعاعات مضيئة من رحمة النبوة ومنها تأخذ الدعوة معناها في التسامح المحفوف بتكريم الإنسان واحترام خياراته؛
بهذا المعنى الواسع لخُلق النبي صلى الله عليه وسلم وجوهر الرسالة نكون نحن أولى بحقوق الإنسان بل وحقوق الحيوان فالرحمة عند محمد بن عبد الله و رسالته أعمق واشمل إلى كافة المخلوقات الحسية ففي كل صاحب كبد رطب صدقة وهنا تحضر رحمة وحقوق كل ذا كبد رطب من الطير والحيوان حتى إننا نعلم أن رسول الرحمة أحس بوجع طير فقد فراخه من صوته الباكي في السماء ليلتفت قائلا: (من فجع هذه بولدها )أي قلب عظيم هذا وأي احساس فما بال بمن يقتل الناس وأطفالهم دون رحمة و يهدم البيوت على ساكنيها دون تأنيب ضمير بل يتفاخر بالدم والأشلاء والمواجع.
وفي هديه صلى الله عليه وسلم أن رجلا دخل الجنة لإنقاذه كلبا كاد يموت عطشا و إمرأة دخلت النار في هرة لاهي أطلقها ولا تركيها تاكل من حشائش الأرض فكيف بمن يخطف النساء والأطفال والأبرياء ويعذبهم حتى الموت، وأحيانا يأتي من هؤلاء بكل بشاعاته من يدعي أنه يمثل رسول الرحمة المهداة.
في يوم الذكرى نتذكر واجب أن نتوجه بنشر دعوة رسول العالمين وتقديمها كما هي بعنوانها العالمي للناس كافة دون تمييز نقدم رسالة الرحمة والاخلاق وقيم الحب والحرية والمساواة كرامة للناس كافة
فهل المسلمين اليوم في مستوى الامانة أم إنهم أصبحوا أو كادوا أن يتحولوا إلى كائنات غريبة أبعد ماتكون من محمد بن عبد الله ورسالته العالمية والادهى من يقدم اليوم نموذج القسوة والغلظة والظلم والعنصرية واستعباد الناس باسم رسول الرحمة و المساواة؛ لتضاف إلى بشاعة الجرم بشاعة الإدعاء والكذب على خير خلق الله.
في ذكرى المولد يجب أن نفيق من حالة التخدير والغيبوبة القاتلة التي سلبت منا الدنيا والدين والعقل والإحساس.