تفكيك اليمن.. وطريق الجنوب إلى الفردوس!!

لم يكن تفكيك البلدان وتمزيقها وزرع الضغائن والعداوات بين مكونات شعوبها يوماً ما حلاً لمشكلاتها، ولا مدخلاً للرخاء والإستقرار ولا حتى طريقاً لتحقيق الأمن والإستقرار لمحيطها الإقليمي.


وتصوير تقسيم اليمن أنه سيكون بوابة الجنوبيين للفردوس الموعود، مجرد وهم تسوقه الآلة الدعائية التي تحاول برمجة الرأي العام والدفع به نحو هذا المزاج وتسوق المجاميع البشرية إلى حيث لا تدري. فالتجربة التي مر بها شطرا اليمن خلال وبعد فترة الاستعمار البريطاني للجنوب وحكم الأئمة للشمال لم تقل ذلك مطلقاً وقد عاش الشعبان في الجنوب والشمال مع اختلاف التجربتين بؤساً متشابهاً في الشكل متفاوت الدرجات.


باع نظام الجنوب للشعب شعارات وأيديولوجيا مستوردة معلبة بما يبقيه مخدراً ومستمتعاً بحالة البؤس التي يعيشها، وبقي النظام في الشمال بخلطته العسكرية القبلية غارقاً في إدارة التوازنات عاجزاً عن تحديث المجتمع وتحقيق المستوى المطلوب من التنمية والتنوير بما يحصنه من فيروس الإمامة الذي ظل كامناً تحت رماد الصراعات السطحية حتى وجد اللحظة المناسبة للعودة.


يرى أصحاب مشاريع النفوذ والهيمنة في المنطقة أن إبقاء البلدان الكبيرة (جغرافياً وسكانياً) قيد الاضطراب والعمل على تمزيقها وإشغالها بالصراعات البينية هو الوسيلة الأنسب لإبقاء جغرافيتها الممتدة قيد الاستغلال والتوظيف، وقدراتها البشرية تحت السيطرة وجاهزة للإستخدام في أي اتجاه بما فيها تشغيل فائض البشر قليلي التأهيل والمتحفزين للقتال كمرتزقة في أي بقعة جغرافية، مستعيدة تجارب استعمارية قديمة حيث كانت القوى الاستعمارية تجلب البشر من بلدان الكثافة السكانية لتخضع بهم بلدان أخرى.


بينما الحقيقة التي توصل لها العالم وجنى ثمارها أنه لا يمكن الحفاظ على ما تحقق للبلدان الغنية من رخاء وازدهار إلا بدعم الاستقرار وتعزيز عوامل التنمية في بلدان الجوار الفقير وتعزيز قدرة الحكومات على بناء أنظمة قادرة على إدارة واستغلال التنوع الجغرافي والسكاني، وتوسيع مساحة المصالح المشتركة لتحويل هذه الكتلة البشرية إلى عامل بناء وتنمية، وتوجيه الدعم نحو تنمية الإنسان وتحويله إلى آلة إنتاج وبناء لا لتشكيل المليشيات المسلحة خارج إطار مؤسسات الدولة وإشعال المعارك البينية وتعزيز عوامل التفكك وتغذية التباينات وتعزيز نزعة الكراهية.


انفجرت الحوثية في اليمن كقنبلة دمرت ما تم بناؤه ومزقت حالة الإستقرار الهشة وأجهضت كل محاولات الترميم والإصلاح التي كانت جارية، وفتحت اليمن على مصراعيه ليكون ساحة صراع إقليمي، وكانت هذه النقطة بداية الكارثة التي لا تزال مستمرة، لكن ذلك لا يبرر كل ما يحصل من عبث كانت بدايته على هيئة هبة للإنقاذ ثم تحول إلى مشروع تفكيك وتدمير. ولا ينفع ليظل غطاء لاستمرار مسار التدمير.


أما فيما يتعلق بالتبرير لمشروع الإنفصال والتقسيم فلو تم البناء على الخطاب الذي يتم ترديده في اليمن اليوم كمبرر لتفكك الكيانات القائمة ونشوء كيانات جديدة، والاستدلال بأن الجنوب كان دولة مستقلة إلى عام 90، فإن دول المنطقة كلها تشكلت خلال القرن الأخير من تكوينات مختلفة وكان آخرها تشكلاً هو دولة الإمارات العربية مطلع سبعينيات القرن الماضي من اتحاد مجموعة مشيخات وإمارات كان يطلق عليها "إمارات ساحل عمان"، التي يغطي فائض النفط والثروة والقمع ما بداخلها من تباينات، بل إن جنوب اليمن نفسه تشكل عام 67 من أكثر من 23 مشيخة وسلطنة وتم إخضاعها كلها بالقوة وعد ذلك إنجازاً للثوار الذين قضوا على مشروع "اتحاد إمارات الجنوب العربي" الذي سعت بريطانيا لإنشائه.


وبقدر ما هو معيب أن تسخر دولة عربية إمكاناتها الهائلة وآلتها الدعائية لتفكيك بلد شقيق وإغراقه في الفوضى والصراع، فإن المعيب أكثر هو تساوق نخبة البلد المستهدف مع هذا المشروع والاستماتة في محاولة تصويرها كمساعي خيرة ومشكورة، حتى أن أحدهم لم يعد يستخدم في منشوراته مصطلح "نحن اليمنيين" بل يستهلها بقوله "نحن الشماليين" ضمن استراتيجية التهيئة النفسية للتقسيم باعتباره صار أمراً واقعاً وليس على الجميع سوى تقبله، وهو ما لم يحدث حتى في زمن التشطير الذي ظل محصوراً في الأطر السياسية وعجز عن تجاوزها إلى الأطر الشعبية والكيانات المدنية بفعل رفض النخب المستنيرة لفكرة التشطير وتمسكها بواحدية اليمن رغم حالة العداء التي غرق فيها النظامان في الشطرين وما نشب بينهما من حروب وصراعات دامية قتل فيها الآلاف وأنفقت عليها أموال عربية كثيرة بما فيها تمويل حقول ألغام على امتداد الحدود ومناطق الصراع.


فسنظل نقول لكم كفوا عن صناعة العداوات وإشعال الحريق في بلد مثخن بالجراح، فغداً قد يكون اتجاه الرياح عكسياً فتدفع بألسنة اللهب نحو أبراجكم الزجاجية التي كانت خياماً من قش.


* (المصدر أونلاين)