هل انتهت مدة صلاحية الرخصة الدولية الممنوحة للحوثي؟!
حين كان الحوثي يدك المدن والقرى ويزحف نحو صنعاء، كان يفعل ذلك مطمئناً بعد أن تلقى الضوء الأخضر من الأطراف الدولية والإقليمية النافذة. لأن كل طرف كان يرى فيه أداة جيدة لتحقيق أهداف خاصة به.
فبينما كانت الأطراف الإقليمية ترى فيه عصا غليظة لطمس كل ما نتج عن الربيع العربي، كان النافذون الدوليون يرون أن زرع جيب شيعي عنيف جنوب السعودية سيحقق لهم مصالح استراتيجية لابتزاز السعودية والخليج ضمن الموجة الدولية لتعزيز هيمنة المليشيات الشيعية في المنطقة، وضمن حملة العلاقات التي خاضها الجناح الناعم للهاشمية الياسية في اليمن عبر حضوره النافذ في المنظمات الدولية وعلاقاته مع مراكز صنع القرار في الغرب فقد تم تسويقه كشريك جيد لمحاربة القاعدة والجماعات "الإرهابية" في اليمن، خاصة أن الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية كانوا ينظرون للمشكلة اليمنية كملف أمني عنوانه الإرهاب.
تبنت جماعة الحوثيين منذ بداية الحروب الست في صعدة عام 2004 خطاب المظلومية وقدمت نفسها كجماعة مذهبية تتعرض للإضطهاد والقمع ويتم منعها من ممارسة شعائرها الدينية، واستغلت رخاوة وتفكك الجبهة السياسية في صنعاء إذ اخترقتها ووظفت آلتها الإعلامية واستفادت من حراكها السياسي إذ تمكنوا من إيهام كل طرف بأن دعمهم وسيلة جيدة للنيل من الآخر، ومثلت هذه المرحلة فرصة مواتية لمد خيوطها مع السفارات والمنظمات الدولية.
كانت المرحلة الثانية لعمل الجماعة خلال الفترة من 2011 إلى 2015 إذ عملت على مسارات مختلفة وصنعت لكل مسار الخطاب الذي يناسبه، فبينما كانت تروج محلياً لشعار الموت لأمريكا وإسرائيل وتجعله مرتكزاً للتعبئة العقائدية لأنصارها، فقد بنت تواصلها مع دوائر المخابرات في الولايات المتحدة ودول الغرب عموماً على أنها الشريك الجيد لمحاربة من تصفهم بالدواعش والقاعدة الذين تحتفظ لهم (جماعة الحوثي) بتعريف خاص وفقاً لمشروعها ورؤيتها، إذ كانت تطلق هذه التوصيفات على كل من يناهضها دون أي تمييز.
ونحن نستعيد تفاصيل ما قبل سقوط صنعاء نتذكر أن مكتب المبعوث الأممي والسفارات الغربية وفي مقدمتها السفارة الأمريكية في صنعاء كانت تتولى مهمة توزيع التطمينات للسلك الدبلوماسي الغربي وللنخب السياسية تجاه ما يدور وتخفف من الخطر المحتمل لاجتياح جماعة مسلحة عاصمة البلاد واستيلائها على مؤسسات الدولة.
أعلمت الجميع أن هدفها من دخول صنعاء هو القضاء على بعض المؤسسات والأذرع الدينية والعسكرية التي كانت غير مرضي عنها أمريكياً حسب ما تم ضخه عنها خلال العقود السابقة التي تم فيها تضخيم خطر ما يمكن تسميته "الإرهاب السني" وتزامن مع تسمين مليشيات متطرفة شيعية لتحل محلها.
بعد أن تجاوز الحوثي صنعاء ووصل إلى عدن فقد الترخيص الإقليمي وتحركت دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية لمواجهته كخطر على أمنها الإقليمي، إلا أنه ظل يواصل مهمته بموجب الترخيص الدولى الذي كان يمنحه الحصانة تجاه كل تحرك عسكري جاد يفضي إلى نتيجة مع دعم وتشجيع الأطراف الدولية لاستمرار حرب الإستنزاف التي تجاوزت عقداً من الزمان، في كل مرة تجاوزت العمليات العسكرية مربع "حرب الإستنزاف" كانت تجد نفسها أمام فيتو دولي معلن أو غير معلن تحت لافتة الدواعي الإنسانية وبلغت ذروتها حين تحرك العالم كله للحيلولة دون تحرير مدينة الحديدة ومساحات تقدر بمئات الكيلومترات على الساحل الغربي لليمن، وضغط على الفاعلين الإقليميين لتمرير اتفاق السويد الذي حال دون تحرير المدينة وعزز من قبضة المليشيا الحوثية على الميناء الأهم في البلاد والسواحل الممتدة من ميدي شمالاً إلى قرب شواطئ الخوخة أقصى جنوب الحديدة.
في كل مرة كنا نرى أصواتاً إقليمية تعمل لخدمة الأجندة الإيرانية في اليمن والمنطقة تظهر كل مرة لتثير مخاوف هيمنة أطراف مسلحة أخرى ذات خلفية دينية، في إشارة إلى قوى لها علاقة بحزب الإصلاح والتيارات السلفية التي انخرطت في المعركة ضد الحوثيين.
منذ حوالي عام انتقلت المعركة إلى طور آخر، فبينما تكاد السعودية ودول الخليج وصلت إلى قناعة بضرورة إنهاء الصراع في اليمن عبر محاولة تمرير حلول سياسية مهما كانت عوجاء فإن المجتمع الدولي الذي تضرر اليوم بشكل مباشر من هيمنة الحوثيين على السواحل اليمنية يبدو أنه قد وصل لقناعة مختلفة بأن الكرت الذي كان يتلاعب به لم يعد في يده فعلاً وأن لعبته قد ارتدت عليه وبدأ النقاش يدور حول كيفية معالجة الخطأ الذي تورطت به السياسة الغربية خلال العقدين الماضيين.
ما يدور في الإعلام وفي اللقاءات السياسية يوحي بفكرة مفادها أن رخصة العمل التي منحها الغرب للحوثيين قد انتهى أمدها وصار اليوم يعمل خارج المدة الزمنية للترخيص، فإن الذراع الذي كان مزدوجاً في الماضي قد صار اليوم ذراعاً إيرانية خالصة وأغرته الإختراقات التي حققها خلال السنوات الماضية مستفيداً من مخاوف وأجندات عدة دفعت كلها باتجاه إضعاف مناوئيه وإطالة أمد هيمنته، وعبر توظيف المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة صار يقدم نفسه كبطل قومي معني وحده دون غيره بنصرة فلسطين وهو ما جعله ينقل النيران إلى البحر الأحمر الممر المائي الأهم دولياً.
ما تابعناه خلال الأسابيع والأشهر الماضية من ضربات أمريكية أو حتى إسرائيلية على مواقع عسكرية ومنشآت حيوية في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين لم تكن سوى رسالة غربية خشنة لإعلام الحوثي بأن الرخصة الممنوحة له انتهت بعد أن أساء استخدامها، فقد منحت له يومها الرخصة الغربية بهدف إبقاء المنطقة الغنية بالنفط في حالة توتر وبحاجة دائمة للحماية، وفي نفس الوقت محرقة لتبديد مخزون طاقة العنف التي يعتقد العالم أنها فائضة في اليمن.
يبعث الحوثي برسائل خشنة وأخرى ناعمة بهدف الحصول على تجديد الرخصة الدولية إلا أن الظروف على ما يبدو لم تعد مواتية، وأمام هذا كله تبقى علينا معرفة المرحلة التالية لما بعد انتهاء الرخصة.
*"المصدر أونلاين"