‏زميل أم عميل؟

عيّنت دولتا التحالف بدلاً عن الرئيس عبدربه منصور هادي ثمانية.ومجرد أن تصل الأمور إلى أن يعين الخارج لبلدنا من يمثله في أعلى سلطة، فإن الخجل من التاريخ لا يكفي.

نَعْرِف جوانب القصور عند الرئيس هادي، بل الأخطاء الكبرى، مثل عدم اتخاذ أي تدابير لصدّ الحـ ـوثي، لكن هادي صار مهمًّا للشرعية بحكم الضرورة ودون خيارات أخرى متاحة، في ظلّ وضع تعقّد كثيرًا بعد سيطرة الحـ ـوثي على عاصمة البلاد وجزء مهمّ من البلاد، ودخول التحالف العربي. أما تعيين الثمانية من قبل التحالف، فهو يعبر عن تطور خطير يتجاوز السيادة، ودلالة على أن الاستهتار باليمن قد بلغ أقصى مداه. ولا يدلّ تعيين الثمانية على حسن نية تجاه اليمن وسيادته وكيانه ووحدته، ولا تجاه أي شرعية أو مشروعية من أي نوع.

وما حدث من تطوّرات منذ تعيين الثمانية يؤكد ذلك. ولم يعد للوحدة ذكرٌ ولا لسيادة اليمن واستقلاله  عند التحالف، ولا عند “الرئاسة” في تصريحاتها أو مواقفها، وما يجري هو إضافات لتكريس التجزئة، على نحو ما يحدث في حضرموت والمهرة من تشكيلات سياسية وعسكرية بعناوين لا تمتّ إلى الدولة اليمنية بصلة.

عند عَجز هادي أو عدم الرغبة في استمراره، كان يكفي أن يعين نائبًا واحدًا له ويمنحه صلاحياته، كما سبق أن حدث مع صالح بتكليف هادي في 2011.

سمعت من أحد الثمانية، قبيل تغيير هادي، أن التحالف يقول إنه لم يجد في هادي شريكًا مناسبًا؛ والواضح أنّ البحث لم يكن عن شريك مناسب، وإنما عن غير ذلك وما هو دون ذلك. ويبدو أن الأمر يتعلق بما سبق وتحدّث به الرئيس عبدالرحمن الإرياني منذ خمسين عامًا، وأورده في مذكراته، بأن الأشقاء لا يبحثون عن زميل في اليمن، وإنما عن عميل.

والحقيقة أن السعودية اختارت من تَرغَب به، والإمارات كذلك. وغابت إرادة اليمن، رغم حشد عدد من الناس في الرياض، ولم يُستشر منهم أحد.

أما فكرة المناصفة فقد حرص التحالف على ترسيخها، وكان الهدف تمثيل الدولتين السابقتين لوحدة البلاد تمهيدًا للتقسيم والتجزئة إن أمكن مستقبلاً، وقد يفضّلون التقسيم على أكثر من كيانين. وما إطالة أمد الحرب إلا بغرض إنهاك اليمنيين وتدوّيخهم للقبول بأي شيء في النهاية، وبمشاريع التجزئة على وجه الخصوص.

وقد بدأت فكرة المناصفة من "مؤتمر الحوار" وكان عرّابو تلك الفكرة؛ يفصلون على أنفسهم لضمان مستقبلهم السياسي أو الوظيفي، وليس مستقبل اليمن أو أي جهة منه؛ ولم يعارض ذلك لا حزب المؤتمر ولا حزب الإصلاح، فقد كانوا في بداية “الدوخة الكبرى” التي تعاظمت بعد ذلك، حتى بلغت حدّ انعدام القدرة على التحفّظ والإعتراض على أي شيء مهما كان حجم خطره على وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها.

وقد سألت "أمين عام الحوار"، بن مبارك، عن فكرة المناصفة مستنكرًا عند زيارته لمكتبي في وزارة الإعلام في 2013، فقال: إنها مؤقتة لمدة خمس سنوات فقط. مع أنّه استمرّ يتقلّب في المناصب بفضل الفكرة الأنانية أكثر من عشر سنوات دون انقطاع.

وقد استخدم كثيرون موضوع دعاوى “القضية الجنوبية” للابتزاز ولتحقيق مصالح خاصة، أما الجنوب العزيز فلا ناقة له في ذلك ولا جمل.

ولا مشكلة أبدًا أن تتولّى حكمَ اليمن قيادة وطنية مسؤولة من الجنوب، دون محاصصة أو مناصفة، ولكن دون مناورات أو متاجرات بما يسمى قضية الجنوب، التي رُفعت منذ 1967. فبعد سقوط العاصمة وتسهيل دخول الحـ ـوثي وما ترتّب على ذلك من نكبة تاريخية ومأساة وطنية شاملة، فإن القضيةَ الأساسية هي قضية اليمن، كلّ اليمن.

ومن يرغب في خراب اليمن أكثر فهو سعيد برفع قضايا عدة ويتبنّى منها ويدعم ما يروق له، كي يصطاد في الماء العكر ويحقّق أطماعه على حساب اليمن.