
تجزئة اليمن أهم الغايات!
لا نحبذ التهور والاندفاع، وعندما نعاتب أو نوجّه النقد لأي دولة شقيقة بسبب سياستها تجاه بلدنا، نعلم مدى التحسس من النقد في منطقتنا مهما كان موضوعياً ومحقاً، وندرك تبعاته، والثمن الذي قد يترتب على ذلك.
لكن بالمقابل، لا بد أن نحسب مليون حساب لتبعات التغاضي والصمت على ما يحصل لبلدنا، وما يجري من تمويل وحشد ودفع وتمهيد نحو التجزئة والتشطير، وكأن تقسيم اليمن غاية الغايات عند بعض العرب، وكأن هناك من وجد في الحوثي ضالته لتقسيم اليمن. نرتاب كثيراً لأن مشروع تجزئة اليمن مشروع خارجي قديم في الأصل، منذ وطأت بريطانيا أقدامها في عدن، ومنذ ظن آخرون بأن تقسيم اليمن يفيدهم، مع أن العكس هو الصحيح! ولولا التربص والدعم الخارجي، لوجد اليمنيون، في 1994، حلاً، على الأرجح، غير الحرب!
ولا يأبه أهلنا في الجنوب العزيز بمشروع الانفصال، وهم في غالبيتهم العظمى ليسوا معه؛ لكن التعبئة، والترهيب، والقمع، والدعم السياسي والمالي الخارجي، هو سبب الزخم الذي قد يبدو أحياناً في التجمعات والمظاهرات والضجيج في المواقع والساحات، وحتى في الشتائم والتعليقات المسيئة.
وما أكثرها الإذاعات والقنوات الفضائية والصحف والمواقع التي تمولها الإمارات لدعم الانفصال، فضلاً عن الدعم السياسي والعسكري! أما السعودية، فما تزال صامتة، وهناك من يقول إنها غامضة، مع أن موقفها من وحدة سوريا وليبيا واضح وجلي وقوي، وكان موقفها من وحدة السودان حازماً. ننتظر أن يكون موقفها من وحدة اليمن كذلك، بل ربما يكون ذلك أكثر وجوباً واستحقاقاً ومسؤولية أخلاقية وتاريخية وموضوعية، وهو موقف سيقدره اليمنيون عبر الزمن.
الصمت ليس علامة الرضى
إذا كان المعترضون الظاهرون على ما يجري لترتيب تمزيق بلدهم يبدون قلة، فإن ذلك لا يعني أن ما يجري ليس خطيراً أو مضراً باليمن، أو أنه ليس فظيعاً وجائراً. الصمت هنا ليس علامة الرضى، بل لصمت الصامتين أسباب، بعضها موضوعي وبعضها غير ذلك تماماً.
من لا يستطيع العودة إلى وطنه اليمن، ويضطر للعيش في بلدان تضر سياستها باليمن، ليس سهلاً عليه نقد سياسة تلك البلدان. ومن يعتمد في معيشته على دول تضر باليمن، فقد لا يستطيع أن يقول الكثير. قبل سنوات، قال لي إعلامي كبير: "نعرف كل شيء، ويحزّ في نفوسنا ما نراه يُرتب لبلدنا، لكننا لو تكلمنا سيموت أولادنا من الجوع!"
هناك من يخاف من الجوع فعلاً، وهو مشرد، ولذلك لا يتكلم! وهناك من يستطيع تدبير أموره، ومع ذلك يصمت! وهناك من يملك مال قارون وساكت أيضاً! بعض هؤلاء الأغنياء كوّنوا ثرواتهم عن طريق الاستغلال والفساد، وهم سبب رئيسي فيما آلت إليه أحوال اليمن.
أما من يتم الإغداق عليهم الآن لتيسير وتسهيل مخططات التقسيم، فهؤلاء هم الأكثر خطراً وإجراماً وخيانة في حق وطنهم. قد تجد يمنياً من أقصى الشمال يدافع عن انفصال الجنوب ويتبناه!
تحولات المصالح والمواقف
لولا اعتبارات الدفع ومجارات الدافعين، لكان مثل هؤلاء وحدويين لا يشق لهم غبار، وقد كانوا كذلك في عهد الرئيس صالح! أتذكر أحدهم في مناظرة تلفزيونية على قناة الجزيرة بعد سنوات من حرب 1994، كان يزبد ويرعد، وقال بحزم: "لا يشرفني أن أجلس هنا وأمامي هذا الانفصالي!" وقف قليلاً ثم عاد للمناظرة.
مع الزمن، تحول ذلك الانفصالي إلى وحدوي، ومات على ذلك! فيما تحول الوحدوي جداً إلى مهادن للانفصال والانفصاليين في عهد الدكتور رشاد! وقد يبصم على الانفصال لو طلب منه! سمعت له تصريحاً يشي بذلك.
هناك من يستطيعون أن يعبروا عن رأيهم ويتمسكوا بوحدة وطنهم بتكلفة أقل، ولكن أكثرهم لا يفعلون، وهؤلاء – وما أكثرهم – لا يُعذرون!
حفظ البعض عبارة: "لنركز على الحوثي"، وهم يعرفون جيداً ما يُرتب لتجزئة بلادهم، وأن ذلك يعد الهدف الأهم لجهات لا تخفي مواقفها وسياساتها ودعمها. بعض هؤلاء حسنو النية، وكانوا يظنون أن مواقفهم تلك كفيلة بهزيمة الحوثي، لكن بعد عشر سنوات من الحرب، أين هي هزيمة الحوثي؟
ربما يتضح الآن أن بقاء الحوثي، مقابل الانتقالي، سياسة مقصودة، لأن ذلك يخدم أجندة تجزئة اليمن وتفخيخ مستقبلها.
بعد عشر سنوات، ما يزال الحوثي مسيطراً، بل صار أقوى! ومشاريع التمزيق هي السائدة، وظلت عمليات التحرير تتوقف عند أطراف التشطير السابقة!
عندما تكلفت قوات العمالقة بتحرير بيحان، أُضيف إلى اسمها "الجنوبية"، إمعاناً في تأكيد أهداف التشطير والتمزيق! وتوقفت العملية، مثل سابقاتها، في الأطراف الشطرية السابقة.
بعد فترة من تعيينه في مجلس الرئاسة، انضم قائد العمالقة – الذي كان يبدو سلفياً متديناً، لا يمت للانفصال بصلة، كما يفترض أنها تقتضي عقيدته – إلى الانتقالي الانفصالي؛ لأن الداعم الخارجي يريد ذلك! والطاعة واجبة! طاعة ولي الأمر، ولي النعم، ولو كان من الخارج!
(من صفحة الكاتب)