استعادة دور برلمان الشرعية في عدن وعلاقته بترتيبات عسكرية محتملة بإشراف واشنطن

يهيمن على المشهد اليمني في هذه المرحلة تطوران مهمان، أحدهما يتعلق بإعادة إحياء المسار العسكري الأمني الأمريكي الإماراتي في اليمن، والآخر يتعلق بالصحوة النيابية التي تضغط باتجاه استعادة مهام مجلس النواب المعطلة في ضوء التحديات الاقتصادية وتنامي الخلاف بين المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة، عبر ضمان انعقاد جلسات المجلس في العاصمة السياسية المؤقتة عدن، وسط عدم ترحيب لم يخفها عضو مجلس القيادة الرئاسي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزُّبيدي.

عشوائية الأحداث على الساحة اليمنية لطالما أنبأت على مدى السنوات الماضية عن وجود مخططات وأعمال منسقة وأجندات راسخة، اتجه معظمها نحو استهداف اليمن وجغرافيته وكيانه السياسي والسيادي، إلى الحد الذي يمكن معه للمدقق السياسي أن يصل إلى وجود رابط بين التحركات العسكرية الإماراتية بغطاء أمريكي، خصوصا في محافظات شبوة ومطار مركزها الإداري عتق، وبين التحركات لإعادة إحياء دور مجلس النواب، وافتعال الأزمة الناشبة بين رئيس الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي.

دعوني ألفت النظر إلى أن التحركات العسكرية الإماراتية الأمريكية، تأتي في ظل توارد أنباء عن نوايا أمريكية لنشر قواتها على الأراضي اليمنية، ضمن تصور جديد لتطور تحالف "حارس الازدهار"، الذي مثل واحدا من أكثر الإنجازات العسكرية الأمريكية فشلا وانكشافا من حيث أهدافه اللاأخلاقية وغير المستساغة حتى من شركائها في الغرب وحلف الناتو، الذين أدركوا أن الولايات المتحدة تعبث على هامش الجريمة الكبرى في فلسطين؛ حيث تُرتكبُ جرائمُ إبادة بتوقيع الرئيس بايدن، وبالأسلحة الفتاكة الأحدث في العالم المصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية.

تطمح الإمارات لاستعادة دورها في اليمن عبر إحياء الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة، والتي بدأت قبل أكثر من عقد من الزمن تحت عنوان مكافحة الإرهاب، وكان مركزها الميداني مطار الريان الدولي بمدينة المكلا في محافظة حضرموت على ساحل خليج عدن. هذه المرة يمكن للإمارات وواشنطن المضي في ذات الخط وتكرار أسطوانة مكافحة الإرهاب، مع توجيه جزء من نشاط التنسيق الأمني الجديد نحو مواجهة التطور العسكري الذي استحدثه الحوثيون في جنوب البحر الأحمر.

المضي في هذا الطريق لا يبدو مستبعدا لكن أهدافه ليست آنية أو تكتيكية، إنها محاولة لإعادة صياغة الواقع الجيوسياسي لليمن، بالاتكاء على أهداف مقبولة في القانون الدولي ومنها مكافحة الإرهاب والتجارة غير المشروعة والحفاظ على سلامة الملاحة العالمية، على أن ذلك سيتم وكما هو واضح عبر الاستثمار في بناء شراكات مع قوى عسكرية ومشاريع سياسة تستهدف في المقام الأول وحدة الجغرافيا اليمنية، والنيل من الكيان السيادي والمركز القانوني للجمهورية اليمنية.

وهنا تبرز أهمية التحركات الأخيرة لإعادة إحياء دور مجلس النواب، فعلى ضوء المعلومات التي استقيتها من مصدر برلماني رصين، فإن هذا التحرك يأتي بسبب ضغط يمارسه النواب أنفسهم على هيئة رئاسة المجلس لعقد جلسات المجلس في عدن، الأمر الذي دفع بهيئة الرئاسة إلى إجراء لقاءات في العاصمة السعودية مع كل من رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، وعضو المجلس عيدروس الزُّبيدي، ومع السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، وسط تأكيدات على أهمية استئناف جلسات مجلس النواب.

الهدف المعلن هو التدخل لمواجهة التداعيات الخطيرة في وضع الاقتصاد وتدهور العملة واستشراء الفساد، واحتواء الخلاف الناشئ بين رئيس الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، وهي مبررات قد تكون مقبولة، لكن لا يمكن للمرء أن يفهم كيف تصبح هذه الأولويات ملحة الآن فقط؛ بينما كانت ولا تزال مهمة في الماضي ولم تواجه بهذا الاهتمام البرلماني.

واللافت ما يتعلق بضغوط المجلس الرئاسي على الحكومة ورئيسها، والتي تفيد بأن المجلس أعدَّ خطةَ طوارئ لإنقاذ الاقتصاد. والسؤال هو كيف تسنى لهذا المجلس أن يعد هذه الخطة، وهو المجلس الذي لا يجتمع إلا نادرا ولا يتوفر على انسجام حقيقي بين أعضائه ولا يتمتع بكفاءة مهنية لإنجاز خطة الطوارئ، التي يجب أن تُعد من قبل خبراء حكوميين وآخرين تستعين بهم الحكومة ثم تقرها هذه الحكومة وترفعها لمجلس القياد الرئاسي؟.

إذا دعونا نخمن شيئا آخر يقف خلف تحركات استدعاء مجلس النواب المشلول. تدرك الإمارات والولايات المتحدة أنهما تتصرفان بدون غطاء حقيقي، فالإمارات التي انسحبت عسكريا وأخلت مسؤولياتها منذ 2019 على الساحة اليمنية وتحت مظلة تحالف دعم الشرعية، لم يعد من المستساغ أن تتصرف كما لو كانت القوة الثانية في التحالف المندثر عمليا.

ولأن الأمر أيضا مرتبطٌ بنوايا أمريكية لتواجد عسكري، فربما دخلت السعودية على الخط، واستدعت عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزُّبيدي إلى الرياض، ودعمت فكرة عقد مجلس النواب في عدن، على الرغم من مقترح يشبه الرفض عرضه الزُّبيدي؛ وهو أن يعقد مجلس النواب جلساته في محافظة المهرة، تحسبا لرد مزعوم لا يمكن السيطرة عليه من أنصار المجلس الانتقالي، رغم أن الجميع يدرك أن أنصاره ليسوا إلا المليشيات المسلحة التي تتواجد في عدن وتتلقى مرتبات منتظمة، وتخضع عمليا للأوامر.

في تقديري، وهذا يظل تخمينا، أن مجلس النواب ربما استُدعي لتمرير اتفاقات قد تتضمن التغطية الدستورية لتحركات عسكرية أمريكية في اليمن؛ الإمارات هي أبرز شركائها، والسعودية توفر التوافق اليمني حولها.


عربي21