التحديات الاقتصادية والعسكرية ومجلس القيادة

يقيم معظم أعضاء مجلس القيادة خارج اليمن في وقت حرج، انهارت العملة إلى أدنى مستوياتها، وصار مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين لا تكفيهم مرتباتهم لشراء كيس من الطحين لأسرهم، أما بقية الشرائح الاجتماعية فقد طحنها الفقر ولم يعد لهم وجود. بالمقابل لا ينتظم المجلس في عقد اجتماعاته، ولا يعمل شيئا تقريبا. وعلى خطوات المجلس لا تعمل الحكومة بأي شكل من الأشكال بما فيها عدم عقد الاجتماعات الأسبوعية، ولا تقدم تقارير عن أي نشاط، سوى زيارات أعضائها الفارغة في الداخل والخارج.


محليًا، يحشد الحوثي آلاف العناصر ويجري تدريبات عسكرية مكثفة، ويهجر سكان القرى في الحديدة، استعدادا لمعركة قادمة، يخطط لإشعالها، ضد المواقع المحررة التي يحرسها جنود أنهكهم الجوع ودمرهم الفساد، ولم توفر لهم الحكومة الحد الأدنى من المتطلبات العسكرية والمعيشية، بينما تعيش الحكومة ببذخ هائل، ونفقات باهظة.


يعتقد مجلس القيادة وأعضاؤه المشاركون فيه والمكونات المشكلة للحكومة أن بقاءهم في مناصبهم مضمون، وأن الاكتفاء بالتصريحات الرسمية التي تحمل الحوثي وحده مسؤولية انهيار العملة وغلاء الأسعار وتردي الخدمات، يعفيهم من مسؤولياتهم للقيام بواجب المواجهة والتصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية. وهو اعتقاد خاطئ، ثبت مرات ومرات عبر التاريخ، وفي اليمن تحديدا، وسيكون الخاسر الأكبر فيه الكتل القوية في الحكومة التي تعبر عن تنظيمات اجتماعية وسياسية وشرائح شعبية واسعة، بينما سيفر إلى الخارج الأعضاء الذين لا يمثلون أي شريحة شعبية يمنية.


سيكون من العبث تكرار القول إن مظاهرات اليمنيين في ذكرى 26 سبتمبر تستهدف الحوثي وحده، لأن تلك التظاهرات ومعظمها من الشباب الأصغر سنا، تريد الجمهورية والديمقراطية بمضامينها التي تحمي الكرامة وتجعل من مؤسسات الدولة وسيلة فعالة لتنمية المجتمع والشعب، وبوابة لممارسة السياسة والأعمال العامة والمهنية. إن الحكومة ومجلس القيادة يفتقد كليا لتلك المضامين.


إقليميًا ودوليًا هناك تغيرات هائلة: الحرب العدوانية على قطاع غزة لم يسبق لها مثيل عبر التاريخ، والعجز العربي الواضح يرسل رسائل إلى الاحتلالات الأخرى مثل إيران أن دمارا كالذي وقع في غزة سيكون ممكنا تكراره في مناطق عدة بما فيها اليمن، خاصة أن فكرة التهجير الشامل، ونسف المربعات السكنية على رؤس ساكنيها بالبراميل المتفجرة وبمختلف الأسلحة جريمة ارتكبتها إيران على مدى العقد الماضي في عدة دول عربية بما فيها اليمن، وكررها الصهاينة في غزة، وقد يكرر الاحتلال الإيراني مباشرة وعبر الحوثي تكرار الإجرام نفسه في اليمن. وكما فرضت التطورات الإقليمية قبل عقدين باحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة، فرصة سانحة لإيران لاحتلال بعض دول المشرق العربي وتهديد بقيتها، فإن الحرب الحالية بين الاحتلال وحزب الله رأس الحربة الإيرانية، لن يكون نتاجها إلا دمارا واسعا أيضا، خاصة اليمن ما لم تعمل الحكومة ومكوناتها والقوى الاجتماعية على إنشاء خطة واضحة المعالم وطنية الأهداف والمبادئ لمواجهة تلك التداعيات على الشعب اليمني المطحون فقرا وجوعا وخوفا ومرضا. 


إن بقاء مجلس الرئاسة والحكومة وبقية مؤسسات الدولة المركزية في الخارج، جريمة كبرى وخيانة وطنية ودستورية وقانونية، لا يصح أن تبقى دون معالجة من قبل الشعب، عبر قواه الحية، وما بقي من مؤسسات قانونية ودستورية. ويعيش ملايين اليمنيين آثار تلك الغيبة التي صارت تشبه الغيبة الكبرى في بعض المعتقدات والمذاهب، التي حولت أتباعها إلى السواد والندب والبوح وفقدان الآدمية والكرامة البشرية.


يمن شباب نت