موقف بايدن الإيجابي وأثره على سلوك السعودية الإقليمي وحرب اليمن

قليلةٌ هي الحوادث المبشرة بالأمل في بلدي اليمن، الذي يعاني من الشلل الكامل وفقدان الإرادة والسيادة، ورسوخ الواقع المأساوي والهيمنة المطلقة للمتدخلين الخارجيين، والإخفاق المريع في استعادة السلام بالسياسة أو بالحرب، في حين لا يزال موقف واشنطن؛ تجاه أكثر العواصم الإقليمية تأثيرا في المشهد اليمني، يلعب دورا أساسيا في تحولات المشهد اليمني ويكرس الارتهان المذل للسلطة الشرعية والنخبة التي تعمل تحت مظلتها في الداخل والشتات.

في الآونة الأخيرة رشحت معلوماتٌ حول ما يعتقد أنه تحول إيجابي تأخر كثيرا في الموقف الأيديولوجي لإدارة الرئيس الأمريكي الديموقراطي جو بايدن، تجاه المملكة العربية السعودية، فيما يستعد هذا الرئيس لمغادرة البيت الأبيض بشكل نهائي في العشرين من شهر كانون الثاني/ يناير من العام القادم، لصالح رئيس جديد.

تفيد هذه المعلومات برفع الفيتو الذي كان الرئيس بايدن قد وضعه على تصدير الأسلحة الهجومية للمملكة العربية السعودية، منذ وصوله إلى البيت الأبيض في مطلع 2021، مقترنا بإرادة واضحة لإنهاء الحرب في اليمن دونما رغبةٍ واضحةٍ في ترتيب انسحاب آمن ومشرف لأحد أهم وأقدم حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.

لكن هذا التحول لا يعتبر حاسما ولا يمكن اعتباره إذنا أمريكيا بإعادة إطلاق اليد السعودية على المشهد اليمني، فالتدخل العسكري السعودي؛ رغم توقف الحرب، لا يزال يواجه ألغاما حقيقية تساهم واشنطن في صناعها وزراعتها، وتتمثل في الأيدي المطلقة للاعبين إقليميين آخرين لا يبدو أنهم على وفاق لا تكتيكي ولا استراتيجي مع السعودية ونفوذها التقليدي في اليمن، والإشارة تتجه هنا تحديدا صوب الإمارات وسلطنة عمان.

فثمة مناطق استراتيجية في اليمن لا تزال معتمة بالنسبة للسعودية، حيث يقل مستوى تأثيرها الأمني والعسكري وحتى السياسي والاجتماعي في هذه المناطق، ومنها على سبيل المثال؛ الساحل الغربي لمحافظة تعز حيث يقع باب المندب وميناء المخا، وبمستوى أقل محافظة أرخبيل سقطرى المشاطئة للمحيط الهندي، حيث يتجلى في هاتين المنطقتين النفوذ الإماراتي المطلق المدعوم من واشنطن، وتُمنح فيه القوات التي بنتها ودعمتها الإمارات نفوذا مستقطعا من السيادة المفترضة للسلطة الشرعية على أراضيها.

لقد كان للموقف العدائي للرئيس بايدن تجاه السعودية وقيادتها الشابة الجديدة ممثلة بولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، وقبل ذلك سلوك الرئيس السابق دونالد ترامب المخيب للآمال، في أعقاب أسوأ هجوم على منشآت النفط الضخمة في شرق المملكة، أثرٌ سلبيٌ على الأداء العسكري لقائدة التحالف العربي في اليمن، وشعرت بالخذلان الكبير من قبل حليف قديم وشريك استراتيجي عريق.

ودفعها هذان الموقفان إلى إدارة تدخلها العسكري بمنطق التنازلات المخلة، وتوجيه دعمها المادي والعسكري، لا من أجل تقوية حلفائها المفترضين في الساحة اليمنية، بل من أجل احتوائهم وإضعافهم وإخراجهم بشكل تدريجي من معادلة الصراع المبنية أصلا على مبدأ استعادة الدولة وهزيمة الانقلابيين، والتحول نحو مكافأة الانقلابيين الح-وثيين وتمكينهم.

وفي المقابل، نرى المتغير الإيجابي المتأخر من جانب واشنطن والرئيس الأمريكي تجاه السعودية؛ يدفعها إلى الاستفراد بترتيب الوضع الميداني والسياسي في اليمن الذي نُظر إليه طيلة العقود الماضية على أنه الحديقة الخلفية للرياض، وهو التوصيف الذي أتاحته النخبة السياسية التي كان للمملكة دور أساسي في تثبيتها على رأس الحكم في صنعاء.

هناك مؤشرات إلى توتر سياسي بين الرياض وبعض عواصم الإقليم، مدفوعٍ برغبة المملكة في استثمار موقف إدارة بايدن، لتضييق الهوامش الممنوحة للاعبين الإقليميين الآخرين، وإنهاء الترتيبات المهادنة معهم، حيث كانوا قد أظهروا طيلة الفترة الماضية قدرا من الاستقلالية في ممارسات أدوار مؤثرة في الساحة اليمنية، حُسب بعضُها بشكل واضح لصالح جماعة الح-وثي، ولاعبين آخرين أقل شأنا.

تتكرس أخطاء النخبة اليمنية في الداخل وتلك العالقة في العواصم، مع استمرار قابليتها للارتهان لسطوة اللاعبين الخارجيين ولتأثيرهم في تنصيب الأدوار السياسية والعسكرية والأمنية لأفراد هذه النخبة، وتضييق مساحة حركتها في الداخل اليمني وفي عواصم العالم. وسلوك كهذا يفقد اليمن للأسف الشديد؛ فرصة التخلص من تأثير القوى الخارجية، واجتراح طريق نضالي يتكئ على الإرادة المطلقة للشعب اليمني، ويتمتع بقدر كاف من الاستقلالية والانحياز للأولويات الوطنية.

إن السلوك المخيب للآمال من جانب النخب اليمنية، يساهم في كبح جماح الأمل الذي تُوقِدُ شعلتَه التضحياتُ المشرفة لأبناء قبيلة "قيفة" التي تخوض في هذه الأثناء أحدث المواجهات مع العناصر المسلحة لجماعة الح-وثي الانقلابية، في قرية "حمة صرار" التابعة لمديرية "وِلْد ربيعْ" في محافظة البيضاء.

هذا التطور الميداني الذي يصنعه يمنيون شجعان يحتاج اليوم إلى الإسناد، ولا شيء يمكنه أن يرمم السمعة السيئة للسلطة الشرعية، وللنخبة اليمنية التي تنشط تحت مظلتها في الداخل والشتات، أكثر من إبداء المواقف الشجاعة والإسناد الميداني لأبناء قيفة، والاعتذار عن الخذلان الذي مُنيت به هذه القبيلة منذ المواجهات المبكرة لها مع الجماعة الح-وثية في 2014، التي كانت تتم بإسناد جوي أمريكي لمسلحة جماعة الحوثي، إلى جانب المواجهات التي خاضتها قبائل حجور في محافظة حجة قبل خمسة أعوام وقوبلت بالخذلان من جانب من يتحكمون بقرار الشرعية من القادة اليمنية وداعميهم.


عربي 21