باب المندب في مرمى التطبيع الإماراتي الإسرائيلي... لهضم موارد اليمنيين
لم تكن الثروات الطبيعية والنفطية والغازية والموانئ اليمنية هي المحور الرئيسي للتحالف السعودي الإماراتي والهدف الأساسي لدخوله الحرب في دولة مزقتها الصراعات والأزمات الاقتصادية المزمنة، بل قبل كل ذلك كان موقع اليمن هو أساس تدخل هذا التحالف والمنفذ الرئيسي لعبور الأطماع الإماراتية على وجه الخصوص.
وبعد ما يزيد على خمس سنوات من الحرب المستمرة، قامت الإمارات باستقطاع وعزل مساحة جغرافية وبحرية هامة في اليمن والممتدة من مدينة المخا الساحلية غرب تعز إلى منطقة ذوباب والجزيرة اليمنية الاستراتيجية “ميون” أو “بريم” المطلة على باب المندب، وبعد كل هذه الفترة الزمنية فجرت شريكة السعودية في تحالف الحرب في اليمن إعلانها تطبيعا كاملا للعلاقة مع إسرائيل.
ويرى مراقبون وخبراء أن اليمن أحد المحاور الرئيسية في التحالف الإماراتي الإسرائيلي الجديد للسيطرة على البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن، وعلى أهم ممر يربط البحر العربي بالأحمر وهو مضيق باب المندب الذي يشرف على أهم الطرق الدولية التي تصل شرق العالم بغربه.
والمضيق الاستراتيجي الذي يقع تحت السيادة اليمنية يمر عبره حوالي 6.2 ملايين برميل يومياً من النفط الخام والمشتقات النفطية، إضافة إلى أكثر من 30 في المائة من التجارة العالمية للغاز الطبيعي ناهيك بأكثر من 10 في المائة من إجمالي التجارة العالمية.
وتكشف مصادر محلية مطلعة في المخا الساحلية غربي تعز لـ”العربي الجديد”، عن حركة إماراتية واسعة منذ ما يزيد عن عامين بشكل خاص ارتفعت وتيرتها أخيراً تتركز حول مضيق باب المندب، وتحديداً في جزيرة “ميون” اليمنية الاستراتيجية المطلة على المضيق.
وتتمثل هذه الحركة في تكثيف الوجود العسكري وتنفيذ العديد من المشاريع منها إعادة تأهيل مطار الجزيرة، فيما تصل وفود اقتصادية واستثمارية وخبراء تباعاً إلى هذا المكان الاستراتيجي عند بوابة مضيق باب المندب.
وفي مساع حثيثة لاستنساخ ما قامت به في سقطرى، قامت أبوظبي أخيراً بعزل جزيرة ميون ويطلق عليها كذلك “بريم” التي تبلغ مساحتها 13 كيلومتراً ولا يزيد عدد سكانها على 300 شخص، عن محيطها اليمني، ضمن محاولة لاقتطاعها وحرمان أي طرف يمني من التحكّم بمضيق باب المندب.
وحوّل الوجود الإماراتي المكثف حياة سكان في هذه الجزيرة والمناطق المحاذية لها في منطقة ذوباب الساحلية الى جحيم بعد مضايقتهم في أعمال الصيد ووقف السياحة في الجزيرة، وهما المصدران الأساسيان للرزق لسكان هذه المناطق.
ويقول الباحث الاقتصادي سفيان جامل والأكاديمي في جامعة الحديدة لـ”العربي الجديد”، إن مضيق باب المندب هو الرابط الذي يصل دول الشرق بأوروبا، لذا تقوم الإمارات منذ بداية الحرب اليمنية بدور خفي واسع النطاق في الموانئ والسواحل والجزر اليمنية المحاذية للمضيق. ويتابع أن التحركات بدأت بعد توقيع اتفاقية عسكرية مع دولة إريتريا في العام 2015، كانت جزر اليمن وسواحلها وموانئها في البحر الأحمر وباب المندب أهم بنود هذه الاتفاقية، والتي بموجبها وجدت الإمارات منفذا مطلا على القرن الأفريقي وإشرافيا على باب المندب.
ويرى خبراء أن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل والتسريبات التي تتحدث عن دول عربية وخليجية أخرى قد تلحق بالإمارات، هي خطوات تهدف إلى تشكيل جبهة موازية لإيران المتحكمة بمضيق هرمز، وهو تحالف آخر ينضم للصراع الدائر على البحار والمضائق والمنافذ المائية وخطوط النقل البحرية وطريق الحرير تشمل إلى جانب أهداف عديدة، الموانئ اليمنية المطلة على البحر الأحمر والمضيق الاستراتيجي باب المندب.
وبحسب معلومات تستند لمصادر محلية وسكان في مناطق الشريط الساحلي الممتد من المخا إلى مضيق باب المندب، فإن هناك تحركا إماراتيا يوحي بالإعداد لتنفيذ مشاريع استثمارية واستكشافية للتنقيب عن النفط في المياه اليمنية في سواحل اليمن الغربية.
ولا يستبعد مراقبون أن يتضمن التحالف الإماراتي الإسرائيلي الجديد تكوين شراكات استثمارية بين الطرفين، لتنفيذ أعمال ومشاريع مشتركة تتخطى السعودية التي أطلقت يد الإمارات في العديد من المناطق والمنافذ والموانئ والجزر اليمنية مثل جزيرة سقطرى وميناء عدن والمخا والساحل الغربي لليمن.
وتواصل الإمارات العبث بالمناطق والأجزاء الحيوية والاستراتيجية في اليمن، وسط تركيز على الجزر المتناثرة التي تعتبر من أهم الثروات الواقعة في قلب مضيق باب المندب والتي تربط بين البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن في إطار توجهاتها للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من السواحل اليمنية.
ويؤكد الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي لـ”العربي الجديد”، أن الجغرافيا اليمنية هي المطمع الأول للسعودية والإمارات والخليج ولكثير من القوى الاستعمارية بشكل عام لتأمين مصالحها والتفوق على إيران التي تشرف على مضيق هرمز في صراع هذه القوى التي تعد اليمن ساحة رئيسية في هذا الصراع.
بالنظر للأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب كأحد أهم الممرات في التجارة الدولية، فهذا الموقع المتميز لليمن وفق تحليل العوبلي هو الضامن للحفاظ على مصالح دول الخليج الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية. وتبذل دولة الإمارات منذ الاستيلاء على الجزء الاستراتيجي من الساحل الغربي لليمن جهوداً حثيثة منذ فترة لتغيير الرقعة الجغرافية والإدارية لمناطق هامة واستراتيجية تتبع جغرافياً وإدارياً محافظة تعز جنوب غرب اليمن.
وكانت “العربي الجديد” قد كشفت عن مساعٍ إماراتية لفصل مدينة وميناء المخا ومنطقة ذوباب الحيوية وموزع والأهم باب المندب وتشكيلها في إقليم خاص تحت مسمى “إقليم المخا”، وضم مناطق أخرى إلى الإقليم مثل جزيرة ميون الاستراتيجية ورأس عمران القريبة من تعز وتتبع إداريا مدينة عدن جنوباً.
وتهدف الإمارات إلى فصل مناطق المخا وباب المندب وتغيير جغرافيتها ليصبح إقليما جنوبيا، مما يسهل لها مواصلة احتلال هذه المناطق والمنافذ البحرية الاستراتيجية والتحكم بإدارتها ومواردها. بقاء هذه المواقع مثل ميناء المخا وذوباب ومضيق باب المندب خارج سيطرة الدولة والمؤسسات العامة الرسمية في اليمن، يحرم الحكومة اليمنية ومحافظة تعز التي تتبعها هذه الرقعة الجغرافية من إيرادات تقدر بمليارات الريالات، إذ تعتمد المحافظة الواقعة جنوب غربي اليمن بدرجة كبيرة على بعض القنوات الإرادية مثل الجمارك والتي تعتمد بدورها على ميناء المخا وهذه الممرات المائية والبضائع والواردات التي تأتي عبرها.
ويعتبر ميناء المخا من أقدم الموانئ ليس في اليمن فحسب وإنما على مستوى شبه الجزيرة والخليج، وتأتي أهمية هذا الميناء نتيجة لقربه من الممر الدولي بمسافة ستة كيلومترات وموقعه بالنسبة للمناطق الجنوبية والمناطق الوسطى لليمن، بينما يكتسب مضيق باب المندب أهمية كبيرة للتجارة الدولية، إذ يعتبر بمثابة طريق استراتيجي لتجارة النفط بين الشرق الأوسط والدول الأوروبية، ويسمح بالاتصال المباشر بين الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس.
وفق الباحث الاقتصادي هشام العمري، فإن أهمية هذا الميناء المتصل بجزيرة ميون ومضيق باب المندب تأتي نتيجة لقربه من الممرات المائية الدولية، حيث يربط بين أوروبا وشرق أفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط، إضافة لموقعه المتميز محليا في اليمن.
ويضيف لـ”العربي الجديد” أن ميناء المخا المتصل بمضيق باب المندب يعتبر أشهر المراكز التجارية على البحر الأحمر، وهو ميناء كبير المساحة مفتوح من جميع الجوانب، لهذا تخضع مدينة المخا والمندب لهيمنة الإمارات والتي يتم عبرها تعيين كافة المسؤولين المحليين في هذه المناطق بعيدا عن قيادة محافظة تعز المخولة بمثل هذه التعيينات في هذه المناطق