سوء الأزمة وسوء حلفاء الحرب في اليمن

خلال ثمانية أشهر على تشكيل مجلس قيادة رئاسي لإدارة البلاد، خلفًا للرئيس عبد ربه منصور هادي، عاد الوضع المفكَّك للحكومة المعترف بها دوليًّا، إلى نحو ما كان عليه، قبل 7 إبريل/ نيسان الماضي، بل يمكن القول إنه بات أكثر سُوءًا، في المجالات كافة، الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والأمنية.


لقد تجسَّد هذا الوضع في استقرار رئيس مجلس القيادة، رشاد العليمي، في الرياض، وتبدُّد الآمال في وحدة صفوف القوى المنخرطة في هذا المجلس، أمام عدوٍّ مشترك، جماعة الحوثي، سيَّما أن المجلس الانتقالي الجنوبي (انفصالي)، انحرف عن التوافق الذي صعد برئيسه، عيدروس الزُّبيدي، ليُصبح عضوًا في مجلس القيادة، ما ضاعف من مكانته السياسية، وأتاح له فرصًا كثيرة للمناورة أمام بقية قوى مجلس القيادة، وأمام الإمارات والسعودية، اللتين تمثلان الخصم والحكَم لمختلف قوى هذا المجلس.


لا تزال جماعة الحوثي تشنُّ هجماتها الصاروخية، وبالطائرات، غير المأهولة، على مراكز صناعية، استراتيجية، تابعة للحكومة، في محافظتي شَبْوة وحَضْرَمَوت (الوادي والصحراء)، كالموانئ النفطية، ومراكز قوات خفر السواحل، مع رفضها المستمر تمديد هدنة 2 إبريل/ نيسان الماضي، التي انتهى تجديدها الثاني في 2 أغسطس/ آب، وإصرارها، للقبول بتجديد التمديد، على التزام الحكومة بدفع رواتب الموظفين الحكوميين لديها، بالدولار، ووفقًا للآلية التي تطرحها، على أن يشمل ذلك رواتب الجيش، والشرطة، والمليشيات، والمتقاعدين.


بالتزامن مع هجمات جماعة الحوثي، باشر المجلس الانتقالي الجنوبي نشاطه التصعيدي ضد رئيس الحكومة، مَعِين عبد الملك، وقوات المنطقة العسكرية الأولى، في محافظة حضرموت (الوادي والصحراء)، سعيًا منه إلى السيطرة عليها، متذرّعًا باتفاق الرياض عام 2019، الذي، في الأساس، لم تُقِر أحكامه ما يمارسه المجلس من انتقائية، وتجاوزه إعلان نقل السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي، وما تضمَّنه من مرجعياتٍ من شأنها تحقيق العدالة لمختلف القضايا الوطنية، والتعجيل بانتشال البلاد من مستنقع الحرب، والتدخلات الخارجية.


في المشهد نفسه، توسَّع نشاط جماعة أنصار الشريعة التابعة لتنظيم القاعدة، في جزيرة العرب، حيث فُرِّخت فصائلها وعناصرها، لتلعبَ أدوارًا داعمة لأجنداتٍ محلية وخارجية، هدَّامة لوحدة البلاد، وأمنها، واستقرارها، وذلك ما تجلَّى في المعارك المفتوحة مع مختلف الأطراف، خصوصًا قوات الحكومة، والمجلس الانتقالي، الذي لا يزال يخوض مواجهات عنيفة معها، مستخدمًا عناصر قيادية ومقاتلين كانوا، فيما سبق، ضمن قوام التنظيم، في مناطق من محافظات أَبْيَن، وشبوة، وحضرموت.


وسط هذه المعطيات السيئة للموقف، ثمّة محاولات، من مجلس القيادة والحكومة، لتجاوز ذلك، أو التأقلم معه، على الأقل، من دون السَّماح بتفاقمه. وتُمثِّل زيارة رئيس مجلس القيادة، رشاد العَلِيمى، الأسبوع الحالي، عمَّان، واحدةً منها، بالنظر إلى أن الزيارة لم تقتصر على قيادة الدولة الأردنية، بل شمِلت قيادات سياسية، وعسكرية، وقَبَلية، يمنية، مقيمة، مؤقتًا، هناك.


قبل ذلك ببضعة أيام، كان وزير الدفاع، اللواء محسن الداعري، قد وصل إلى أبوظبي، في زيارة، تُعدُّ الأولى له، ولوزير دفاع يمني، منذ تعرُّض قوات من الجيش، شرقي عدن، لعدة غارات شنَّتها طائرات حربية إماراتية، في أغسطس/ آب 2019، في أثناء محاولتها العودة، عنوةً، إلى عدن، بعد تقهقرها عنها، في الشهر ذاته، خلال دورة عنفٍ جمعتها مع مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي ساندته الإمارات، حينذاك، عسكريًّا ولوجستيًّا.



اللافت أنه عقب وصول وزير الدفاع إلى أبوظبي، أطلق رئيس أركان المنطقة العسكرية الأولى، في حضرموت (الوادي والصحراء)، العميد يحيى أبو عُوجا، تصريحاتٍ نارية تجاه تصعيد مليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي، ما يشير إلى أن زيارة الوزير تتصدّر أجندتها الموقف الإماراتي الداعم لمليشيات المجلس الانتقالي، وسعيها، بجانب السعودية، إلى تفتيت قوات هذه المنطقة، بوصفها آخر (وأقوى) القوات التي حافظت على ولائها للرئيس عبد ربه منصور هادي، حتى نقله السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي.


على الرغم من حِدَّة هذه التصريحات، إلا أنها تشير إلى أن إعادة تموضع هذه القوات مسألة وقت؛ لأن الإمارات والسعودية، هما المتحكّمتان في مسرح العمليات، بمناطق نفوذ الحكومة، وقد يحدُث ذلك تحت غطاء قرار يُصدره مجلس القيادة، لكن الأمر لن يخلو من عنف متقطع ومحدود.


في المواجهة المسلحة الواسعة، بوصفها الخيار الثاني الذي تتصادم فيه قوات الحكومة مع مليشيات المجلس الانتقالي، فإنه لن يُسمح به، وإذا ما خرج ذلك عن السيطرة، فإن الإمارات ستحضر بقوة، ضمن تفاهماتٍ مع السعودية تبقيها بعيدة، والنتيجة معلومة مسبقا، لا سيَّما أن ألوية العمالقة ومليشيات أخرى، قد يُدفع بها لدعم مليشيات المجلس الانتقالي.


مهما يكُن صمود القوات الحكومية، حيث ليس لديها أسلحة ثقيلة ترجِّح معادلة قوتها، فإن النهاية ستكون أحد ثلاثة مشاهد: معركة اللواء 310، الذي أسقطته جماعة الحوثي عام 2014، واحتلت محافظة عَمران. معركة العَلَم، شرقي عدن، عام 2019، التي تدخل فيها الطيران الحربي الإماراتي، وحَسَم المعركة لمصلحة مليشيات المجلس الانتقالي. أحداث شبوة، في أغسطس/ آب الماضي، التي كانت نهايتها أقرب إلى نهاية معركة عمران؛ حيث كسبت المعركة القوات المدعومة إماراتيًّا. وسيلعب توقيع تمديد الهدنة مع جماعة الحوثي دورًا في تحقيق أيٍّ من هذه النهايات.


العربي الجديد