اليمن: السلام أولاً الحرب آخراً

بعد موافقة الأطراف المتحاربة في اليمن على تجديد هدنة 2 إبريل/ نيسان 2202، وفقًا لأحكامها الأساسية، يمكن القول إنَّ جوهر التحوّل السياسي الذي طوى حقبة الرئيس عبد ربه منصور هادي، بنقل سُلُطاته إلى مجلس قيادة رئاسي، في 7 إبريل/ نيسان 2202، كان هدفه الأساسي طيّ مرحلة الحرب الناشبة منذ حوالي ثماني سنوات، وإخراج السعودية والإمارات من هذه الحرب؛ لذلك نجد أنَّ القوى الخارجية التي فرضت الهدنة هي ذاتها التي جدّدتها مرتين متتاليتين. 

أما الذين ينادون باستئناف الحرب، "لدحر انقلاب جماعة الحوثي، واستعادة الشرعية"، وفقًا لخطاب ما قبل الهدنة، فإنهم يجهلون، وربما يتجاهلون، مداولات مشاورات الرياض وتوصياتها، التي ضمَّت معظم القوى اليمنية المناوئة لهذه الجماعة، وكيف أنها أرست أُسسًا واضحة لمرحلة سلام، وليس لمرحلة حرب، فقد أكَّد بيانها الختامي على أولوية الحل السياسي لأزمة البلاد، وتعزيز الهُدنة المُعلَن عنها في أثناء انعقاد هذه المشاورات، وأن هذا النهج يمثل استجابة واقعية لإخفاق الحلول العسكرية، والتداعيات القاسية للحرب على المجالات المختلفة لحياة اليمنيين. 

الأمر ذاته بالنسبة إلى بيان نقل السُّلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي، الذي وضع حدودًا ومعالم واضحة لدور المجلس، والهيئات الداعمة له، وطبيعة المرحلة التي يقودها؛ فالسلام أول الخيارات المتاحة أمامه، فيما الحرب استثناءٌ. ومن المؤكّد أن هذا الاستثناء لن يكون قراره بيد المجلس. أما جماعة الحوثي، فلن تَعدَم القوى الخارجية المتحكّمة في الحرب والسلام، أي وسيلة لحرمانها من استئناف العنف، وهذا ما تجلّى في صمود الهدنة أربعة أشهر، والضغوط التي مُورِست على جماعة الحوثي، والتنازلات والوعود التي حصلت عليها. 

ملامح السلام، في اليمن، تتجلى أكثر وأكثر، وإن بَدا ذلك بطيئًا، وبصرف النظر عن الطرف الأكثر كسبًا من وراء ذلك حاليًّا. وهناك تحوّل واضح في المواقف، وفي الخطاب الإعلامي للأطراف الخارجية الداعمة لطرفي الصراع، بما في ذلك إيران التي بدا بيانها، بشأن تجديد الهدنة، أليَن لهجةً مما عُهِد عنها. 

والحال كذلك، بالنسبة إلى موقف وخطاب قطبي التحالف (السعودية والإمارات)، ناهيك عن الموقف الأميركي، الذي عبَّرت عن جانب منه تصريحات الرئيس جو بايدن، التي دعت الحكومة اليمنية إلى التمسّك بخيار السلام، وحثها على اتخاذ مواقف أكثر إيجابية، وهو ما يمثل امتدادًا لما تضمَّنه بيان قمة جدة، بين السعودية والولايات المتحدة، أواسط يوليو/ تموز الماضي. 

الواقع أنه بالرغم من السيطرة الكاملة للقوى الداعمة للسلام، إلا أنَّ ثمة أطرافًا داخلية، على جانبي الصراع، يمكنها إثارة العنف مجدّدًا، وهذا احتمال وارد لدى القوى الخارجية الداعمة للسلام، غير أنه لن يكون على الوجه الذي ساد سنوات الحرب، فضلًا عن أنه لن تكون هناك تهديدات حوثية عنيفة تجاه السعودية والإمارات؛ لأنهما، في حسابات الحرب، أصبحتا خارج دائرة العنف الناشئ، سيَّما إذا ما توقفت، تمامًا، الغارات الجوية للتحالف، على نحو الأربعة الأشهر الأولى للهدنة، وانسحبت قواتهما المتبقية من المحافظات الجنوبية، بما في ذلك أرخبيل سقطرى. 

مؤكَّد أنه إذا ما أوفت أطراف الصراع بالتزاماتها المعلنة في أثناء التجديد الحاليِّ للهدنة، فإن ذلك سيؤدّي إلى تعزيز الثقة بينهما، وإذا ما استطاع المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، ومعه القوى الداعمة لوقف الحرب، الانتقال بالهدنة الحاليَّة إلى وقف لإطلاق النار، والدخول في مفاوضات سلام شاملة؛ فإن ذلك يعني أن الحرب بدأت في لفظ أنفاسها، خصوصًا بُعدها الخارجي. ومهما تكن هناك من ضمانات، فإن عودة العنف بين طرفي الصراع، أو بين مكوّنات كل طرف على حدة، يظلّ، كما قلنا سابقًا، أمرًا واردًا؛ لأن الحرب الراهنة خالفت كل الحروب التي شهدتها البلاد خلال القرن الماضي. 


*نقلاً عن العربي الجديد