الإصلاح والانتقال الاستراتيجي
مما يحسب للإصلاح أنه أحسن منذ تأسيسه اعتماد خطة فاعلة للانتقال الاستراتيجي من وضع إلى وضع، ومن مرحلة إلى أخرى، ولو بقدر من الإيجابية والإنجاز على المستويين العملي والنظري.
نعم.. أجاد الإصلاح عملية الانتقال الاستراتيجي الأول من شرعية العمل السري إلى شرعية العمل الحزبي المعلن، ومن شرعية الحركة المؤطرة إلى الشرعية الحزبية المنظمة، وبالمواصفات الحزبية والقانونية المتعارف عليها، وأجاد الإنتقال الثاني من الشرعية الحزبية إلى الشرعية السياسية والعمل السياسي الجبهوي المشترك، انطلاقاً من مبدأ الشراكة بين أطراف العملية السياسية، ثم أجاد الإنتقال الإستراتيجي الثالث من الشرعية السياسية للعمل السياسي الجبهوي المشترك إلى الشرعية الوطنية العامة، انطلاقاً من المفهوم الوطني العام بعمقيه: الشعبي الشرائحي، والجغرافي الجهوي، وبالإرتكاز على قاعدة الثوابت الوطنية العامة المتمثلة بالجمهورية، والوحدة، والديموقراطية، والسيادة الوطنية، والدولة الضامنة للحقوق والحريات، والشراكة السياسية، والمصالح الوطنية العليا.
في مثل هذا اليوم من عام ١٩٩٠ وعلى قاعدة الإنتقال الاستراتيجي من شرعية العمل السري إلى شرعية العمل الحزبي المعلن ولد التجمع اليمني للإصلاح كحزب سياسي عملاق تجاوز كل ظروف التأسيس، ليدخل بعد أقل من سنتين من ميلاده وقائع العملية الإنتخابية للبرلمان اليمني حاصداً ربع مقاعد البرلمان وهو لايزال بمشروعية ظروف التأسيس، وبعد هذا التاريخ وفي أقل من سبع سنوات تمكن الإصلاح من الانتقال الاستراتيجي من الشرعية الحزبية الى الشرعية السياسية والعمل السياسي الجبهوي في إطار تكتل أحزاب اللقاء المشترك، ليعطي بذلك المعادلة السياسية أهميتها وتنوعها، وليعيد القيمة للمعارضة السياسية ومركزيتها كركن فاعل في النظام السياسي التعددي "السلطة + المعارضة" بعد أن كان النظام التعددي على وشك أن يفقد أحد ركنية عقب حرب ٩٤، فضلاً عن تمكنه من تجسيد مبدأ الشراكة السياسية، واعتماد النضال السلمي وسيلة لاستعادة الحقوق والحريات، والذي بموجبه حصلت المعارضة على سلطة حقيقية و هي سلطة "الاعتراض" في مقابل سلطة "الحكم"، وبه تمكن الإصلاح مع شركائه ولأول مرة من خوص انتخابات رئاسية تنافسية قوية هزت من مركزية النظام الحاكم وأوجدت فيه اختلالاً كبيراً أفضى به إلى التهاوي والسقوط مع تشكل ظاهرة الربيع العربي، كل ذلك حدث في إطار القواعد الديموقراطية والعمل المدني والنضال السلمي، بعيداً عن كل أشكال العنف والعنف المضاد وبشراكة متناغمة ومعقولة إلى حد بعيد بين شركاء الحياة السياسية.
وبصرف النظر عن التعثرات التي حدثت بفعل الأخطاء والتجاوزات من مجمل أطراف الشراكة، فضلاً عن الظروف الموضوعية المؤثرة، وفي المحصلة تمكن الإصلاح من تجاوز تعثرات العمل السياسي المشترك، والاستفادة من إيجابياته، ومن ثم الإنتقال بمهارة وسلاسة إلى الشرعية الوطنية العامة المرتكزة على المفهوم الوطني بعمقيه الجغرافي الجهوي، والشعبي الشرائحي، حيث شهد التجمع على المستوى الجغرافي عملية انتشار منظمة كبيرة وواسعة على مساحات الوطن في كل محافظاته، في إطار تعزيز مبدأ "لامركزية التنظيم" حيث أعطى الإصلاح للتنظيمات المحلية الاستقلالية الكاملة، وعلى المستوى الشعبي اسند الإصلاح عملية التوسع الشرائحي في مختلف مكونات وشرائح المجتمع اليمني بنسب متفاوتة، وشجع انتشار الكيانات النقابية والمنظماتية والجمعيات الحرفية والخيرية، والاتحادات الطلابية والشبابية والنسوية كل ذلك في إطار مبدأ الانتقال الاستراتيجي إلى المشروعية الوطنية العليا، ومع انبلاج ظاهرة الربيع العربي وفي إطار الإنتقال الإستراتيجي إلى الشرعية الوطنية تخندق الاصلاح بخندق مطالب الشعب، جنبا الى حنب مع مطالب الشباب المطالبة بإسقاط السلطة بالسلمية، مع إبداء قدر كبير من الحفاظ على مفهوم الدولة والحفاظ على السيادة والجمهورية والوحدة والعلاقات الإقليمية، في ظل حلقة نضالية متشابكة وبالغة التعقيد أفقدت الإصلاح بعضاً من القدرة على التحكم بكل مخرجاتها، إلا أنها أفضت في النهاية إلى تسوية تاريخية جسدتها المبادرة الخليجية للحفاظ على الدولة من الإنهيار، وتخليصها من عملية سطو إيراني باتت مؤشراتها واضحة، وهي التسوية التي تم الإنقلاب عليها بأدوات النظام القديم، وبعض من تربيطاته الإقليمية.
من أعماق القلب نبارك للإصلاح ذكراه التأسيسية الثانية والثلاثين مع التأكيد على ما يلي:
- أولاً: الإصلاح حزب عظيم ويمتلك معظم مفاتيح القضية اليمنية بحكم تمدده المجتمعي الشرائحي، وكذا الجغرافي الجهوي، وبحكم ارتكازه على منطلقات الجمهورية والوحدة والديموقراطية والسيادة والحفاظ على المصالح العليا للوطن، وبحكم ما يمتلكه من أجندات واسعة في الحياة المدنية، إلا أن الإصلاح ورغم كل هذه الامتيازات قد لا يمتلك كل المهارات القيادية الملهمة التي تستطيع التعبير عملياً أو حتى تنظيرياً عن مكامن هذه العظمة في الحزب، فضلاً عن مهارة الإمساك بكل مفاتيح القضية الوطنية التي هي من مخرجات هذا الحزب العظيم.
ثانياً: إن مهارة الانتقال الاستراتيجي من شرعية كفاحية إلى شرعية كفاحية أخرى أوسع وأشمل، تحتاج إلى شروط ومواصفات الحزب القائد أكثر من حاجتها إلى شروط ومواصفات الحزب الفاعل، بالنظر إلى أن الفاعلية النضالية في غياب القيادة النابهة تتحول في الغالب إلى أعباء على الكيان المناضل.
ثالثاً: أثبتت الوقائع أن تخندق الإصلاح في خنادق المشروعية الوطنية ومرتكزات الجمهورية والوحدة والديموقراطية والسيادة والحفاظ على المصالح الوطنية العليا، بقدر ما حمت الإصلاح من الهجمات ووفرت له شروط الاستعصاء كحزب يتمتع بمشروعية وطنية، إلا أنها أرهقت المشروعية الوطنية بكل ركائزها، حيث أصبحت سهام خصوم الإصلاح تستهدف هذه المرتكزات الوطنية قبل أن تصل إلى الإصلاح نفسه، ومثل هذا الوضع يحتم على الإصلاح انطلاقاً من مسئوليته الوطنية ضرورة وضع التدابير واتخاذ السياسات وتعزيز الشراكات الوطنية لحماية هذه المرتكزات من هذه السهام القاتلة التي تستهدف المرتكزات الوطنية قبل الإصلاح، وفي المقابل من ذلك فإن مسئولية الأمن الجماعي الوطني تحتم على جميع الشركاء إطلاق شارات التحذير للغير بأن الجمهورية والوحدة والسيادة والديموقراطية ومصالح الوطن العليا ليست هي الإصلاح.
رابعا: من المهم أن يعلم الإصلاحيون بأن أخطر مراحل الكيانات السياسية المنظمة هي التي يصبح فيها الكيان أكبر من الحزب وأقل من الدولة.
وكل عام وأنتم بخير