عن الشراكة الوطنية باليمن وألغامها في مرحلة ما بعد هادي

لا يزال الناس في حالة صدمة جراء التغيير الذي طرأ في رأس السلطة الشرعية، بعد الإطاحة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي قرر كعادته أن يصمت ولم يوضح ما إذا كان التغيير قد تم بناء على إرادته أم أنه وجد نفسه في حالة القوة القهرية التي تلاشت أمامها خيارات المقاومة والدفاع عن منصب الرئاسة المعطل منذ 2014.

لا يختلف اثنان على أن الدكتور رشاد العليمي أفضل بكثير من سلفه الذي كان محبطاً للغاية، وساهم أداؤه في تصدع خطير في بنيان الدولة اليمنية؛ الأمر الذي سمح بتمرير مشاريع مضادة لهذه الدولة ونظامها الجمهوري ووحدتها الترابية.

وفي الإجمال فإن المجلس الرئاسي بتركيبته التي تشي بقابلية مبكرة للتصدع، لا يزال يعطي الأمل بتجاوز مرحلة الرئيس هادي بما غلب عليها من جمود وتفريط، عبر الديناميكية التي أظهرها رئيس وأعضاء المجلس حتى مع تمسك بعض أعضائه بالخيارات التي اشتغلوا عليها طيلة الفترة الماضية بدعم من التحالف.

سيتعين على رئيس المجلس بالتحديد أن يظهر بعض الحذر إزاء القرارات التي ستمهر بقلمه فيما يخص التعيينات، وذلك تفادياً لإنتاج طبقة سياسية تفتقد إلى الخبرة والمهارة المراس والروح الوطنية الوفاقية، لأن الشراكة الوطنية لا ينبغي أن تبنى على أسس هشة وألغام مموهة، حينما يتعلق الأمر بالاضطرار إلى القبول بتغذية جسم الدولة بشخصيات لا تتمتع بالكفاءة بقدر ما تغطي الحاجة إلى إنفاذ خيار المحاصصة.

هذا المجلس ومن تحته الحكومة وحتى البرلمان، سيستفيدون بالتأكيد من الغطاء الذي يوفره التحالف، الذي أظهر منذ الساعات الأولى لبدء تدخله العسكري رغبة قوية في تقويض السلطة التي قال إنها دعته إلى التدخل العسكري، ليس لأن على رأسها هادي بل لأن القوى السياسية التي تدعم هذه السلطة هي القوى التي مثلت الحامل القوي لثورة الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011، إلى الحد الذي جعل التحالف يتعاطى مع هادي على سهولة انقياده؛ باعتباره نتاج الثورة وأحد التذكارات الرئيسة للثورة ومشروعيتها.

ما من شك أن التحالف وقائدته السعودية على وجه الخصوص التي أطاحت بهادي، سعيدان بحالة الرضا الشعبي تجاه التغيير الذي حصل، وحالة الرضا هذه ليس لأن المجلس الجديد جيد ابتداء، ولكن لأن الناس بلغوا حد اليأس من هادي وفريقه.

ولكن هذا لا يعني أن الأمور على ما يرام، فالأمر سيتوقف على الدعم المنتظر من التحالف، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وإطلاق يد القيادة الجديدة لتتولى استغلال الموارد الاقتصادية السيادية المعطلة، واستعادة القطاعات الحيوية التي لا تزال تحت سلطة جماعة الحوثي الانقلابية، بما في ذلك قطاعا الاتصالات والضرائب الخاصة بكبار المكلفين، بالإضافة إلى الامتيازات التي سمحت للبنك المركزي بصنعاء بالاستئثار بعوائد رسوم العبور الجوي وغيرها من العوائد المادية والنقدية التي فصلها النائب المحترم عبد الرزاق الهجري في جلسة منح الثقة التي عقدها مجلس النواب الجمعة، في العاصمة المؤقتة عدن.

من الواضح أن مبدأ الشراكة الذي شدد عليه الرئيس رشاد لن يتعدى مسألة التقاسم الذي يتحكم به طرفان؛ هما السلطة الشرعية وجزء منها رئيس المجلس الانتقالي ورجاله من جهة، والمجلس الانتقالي "الانفصالي" من جهة أخرى، وهو ما يهدد مستقبل العمل في إطار التركيبة السياسية والقيادية الحالية ويفقد الشراكة معناها الجوهري، والتي ينبغي ان تعتني بكل أطراف العمل السياسي والأطراف الوطنية ورجال الحل والعقد من كل المكونات.

ومع ذلك؛ دعونا نتجاوز حالة الصدمة لنجري نظرة تفصيلية على القيادة الجديدة وأدائها، وقبل ذلك نحتاج إلى أن نتجاوز السلوك النشاز الذي أظهره عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي، والذي أعتقد أن اجتزاءه للقسم ليس إلا أحد عوارض الانسحاب من مرحلة النشاط ذي التوجه الانفصالي إلى مرحلة العمل تحت مظلة الدولة اليمنية، رغم المحاولات المستميتة لإظهار الطبيعة الانتقالية لهذه المرحلة، وإبقاء الباب مشرعاً على خيار الانفصال بالرهان على الناخبين الجنوبيين.


عربي 21