دور المحافظات في استعادة مركز الدولة وتشكيل مستقبلها !
من بين أعضاء مجلس الرئاسة الذي تم إعلانه مؤخرا، ثلاثة أسماء بارزة جاءوا من صلب السلطة المحلية كمحافظين لمحافظات مهمة وهذه ظاهرة نادرة الحدوث في التاريخ السياسي والإداري اليمني.
اللواء عيدروس الزبيدي كان محافظا للعاصمة المؤقتة عدن.
اللواء سلطان العرادة لازال محافظا لمحافظة مأرب.
اللواء الركن فرج البحسني لازال محافظا لمحافظة حضرموت.
رئيس مجلس الرئاسة نفسه اللواء د. رشاد العليمي، كان يوما ليس ببعيد على رأس حهاز الحكم المحلي كوزير للإدارة المحلية نائبا لرئيس مجلس الوزراء، وقبل أن يتعين وزيرا للداخلية كان يعمل مديرا عاما لشرطة محافظة من أهم المحافظات، وهي محافظة تعز، كما أن رسالته الأكاديمية لنيل الدكتوراه كانت دراسة متقدمة للمجتمع وخصوصياته.
بعد حوالي أسبوع فقط من إعلان مجلس القيادة، كان عضو المجلس اللواء الركن البحسني قد عاد إلى حضؤموت ليمارس عمله كمحافظ وبصفته الجديدة: نائب رئيس مجلس القيادة - محافظ محافظة حضرموت.
البروز المتنامي للسلطات المحلية في الفترة الراهنة لاشك أن أهم أسبابه ومبرراته هو انهيار وتداعي مركزية الدولة ومركزها المتمثل بالعاصمة صنعاء اثر اجتياح الحوثي لها في سبتمبر 2014، فالمعلوم في أي حالة إدارية أنه متى ضعف المركز قويت الأطراف وتماسكت أكثر على حسابه أو بموازاته وقد يصبح استقواء الاطراف مشكلة لاحقة تواجهها الدولة ومؤسساتها السيادية بعد تجاوز الانهيار.
لكن ليس هذا هو السبب الوحيد، فبلادنا منذ ما قبل الوحدة في تجربتي الشمال والجنوب تسللت إليها فكرة المركزية بشكل مفرط، وتفاقمت الحالة منذ النصف الاخير لعقد الوحدة، كل شيء أصبح مرتبطا بصنعاء العاصمة، ليس السياسة العامة والخارجية والمؤسسات السيادية فقط، بل توسعت المركزية المعطّلة لتشمل حتى الخدمات والتنمية وحضور الدولة.
في ظل تفاقم هذه الإشكالية ظهرت أعراضها كمشكلة، جاء قانون السلطة المحلية وفكرة المجالس المحلية كمحاولة جادة لتلافي المشكلة، وشهدت البلاد تجربتان انتخابيتان للمجالس المحلية على مستوى المحافظات والمديريات، ثم أعقبتها فكرة انتخاب المحافظين التي تم تجريبها في مايو 2008م.
للأسف، لم تكن هذه التجربتان أكثر من محاولات شكلية لمواجهة أزمة اختلال العلاقة بين مركز الدولة وأطرافها واعترافا بعدم القدرة على تحقيق الشراكة الشعبية الفاعلة في السلطة والادارة والتنمية، إذ تحولت انتخابات المجالس المحلية والمحافظين إلى حالة سياسية صارخة تعزز التجاذب والانقسام السياسي والمجتمعي أكثر مما هو حال الشد والجذب الذي يصاحب انتخابات مؤسسة البرلمان التي هي بالأساس مؤسسة سياسية خالصة.
ولأنها لم تكن تجربة مدروسة بمنهجية علمية صحيحة، فقد تم التراجع عن فكرة المحافظ المنتخب في الأشهر الأولى التي تلتها، وعاد الوضع إلى نظام التعيين حتى نسي الناس أن هناك قانون بانتخاب المحافظين.
منذ الانقلاب وسقوط العاصمة صنعاء بيد فلول الإمامة، تغيرت المعادلة بشكل ملحوظ، المغترب ورأس المال المحدود لم يعد يفكر بصنعاء وحدها كمسار إجباري للإقامة والاستثمار والتعليم، كثيرون فكروا أو عادوا فعليا نحو محافظاتهم ومديرياتهم وقراهم من المهجر أو من المدينة.
يلحظ الجميع خلال السنوات الثمان الماضية رغم كارثية الحرب وفداحتها أن كل المحافظات اليمنية شهدت قفزات مهولة في التنمية وتحسن مستوى الخدمات التي في غالبيتها العظمى هي مشاريع للقطاع الخاص وليس الرسمي.
مأرب، حضرموت (الوادي والساحل)، المهرة، شبوة، صعدة، إب، تعز (المدينة والحوبان والتربة والمخا) نماذج فقط لمحافظات شهدت منذ الانقلاب انتعاشة مهولة لم تشهدها خلال عقدين سابقين ونصف، وبقي الحال كذلك في صنعاء وعدن، أي أن انتعاش الأطراف لم يكن على حساب المركز.
تقريبا محافظة ومدينة الحديدة هي الوحيدة التي أنهكتها الحرب بشكل مؤلم.
إعادة توزيع العلاقة المتوازنة بين مركز الدولة وأطرافها من أهم التحديات والفرص التي تواجه المجلس الرئاسي الجديد، سواء فيما يتعلق بإدارة معركة استعادة الدولة وحشد الإمكانات المجتمعية مادية وبشرية في سبيل تحقيق هذا الهدف، أو فيما يتعلق برسم استراتيجية طويلة المدى للتنمية الشاملة وحضور الدولة.
في اجتماعه الأول بمجلس القيادة والحكومة تحدث الرئيس رشاد العليمي عن (مؤتمر للمحافظين)، وقد كان ملحوظا أنه دعا محافظي المحافظات لحضور الجلسة الاولى.
هذه كلها مؤشرات مهمة يجب البناء عليها.
نحن أمام مرحلة فارقة من تاريخ البلاد، لابد أن تؤدي فيها كل المحافظات والمكونات الإدارية والإجتماعية دورها الكامل في تقرير مستقبل اليمن وصناعته.
المحافظات المحررة سيكون لها أولويات مهمة خلال المرحلة القادمة من توفير الخدمات وإنجاز التنمية وتعزيز حضور الدولة وكذلك استثمار كل مقدراتها المتاحة بما يعزز إسناد المعركة الوطنية وصولا لاستعادة كامل البلاد.
أما المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثي، فالمرحلة القادمة يجب أن يكون هناك سياسة واستراتيجية تمنحها دوراً أكبر ومساحة أوسع في العمل الوطني، بما فيها العاصمة صنعاء.
غالبية القاعدة السكانية في المحافظات العشر الخاضعة لسطوة الميلشيات، تنتظر عودة الدولة إليها وتبحث عن أي منفذ للخلاص، وهذا يلقي بالمسؤولية على القيادة الجديدة في إيلاء الملف اهتماما أكبر، إبتداءً من إعادة النظر في قيادة السلطة المحلية القائمة في تلك المحافظات، وإسناد المهمة لأقوى الشخصيات وأكثرها قدرة على مخاطبة المجتمع وتحشيده وتحييده ودعمها بالإمكانات اللازمة، بدلاً من الحالة الراهنة التي جعلت من مناصب محافظي المحافظات غير المحررة مجرد ضمان اجتماعي ومجاملات لشخصيات لم يتوفر لها برنامج أو رؤية كان بإمكانها لو توفرت اختصار المرحلة الشاقة التي قضاها اليمنيون تحت سطوة الإمامة أو في مواجهتها.