حضور مصر المكثف في اليمن .. ما الجديد ؟!
خلال الاسابيع الأخيرة تمت عدد من الزيارات واللقاءات الحكومية رفيعة المستوى بين حكومتي الجمهورية اليمنية وجمعورية مصر العربية ربما هي الأبرز منذ عشر سنوات، وبالذات منذ إسقاط العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014م واجتياح بقية المدن اليمنية بيد الميلشيات الحوثية المدعومة من إيران، ثم ما تلاها من تدخل عسكري عربي تقوده الجارة الكبرى الشقيقة السعودية نهاية مارس 2015م لدعم استعادة السلطة الشرعية ولازال قائما حتى اليوم.
تحالف عاصفة الحزم الذي جاء بطلب من الحكومة اليمنية كانت جمهورية مصر عضوا فيه ولا زالت، غير ان المراقبون يلحظون منذ 2015م أن الدور المصري كان رمزيا وربما اقتصر إضافة للدور السياسي على مهام عملياتية محدودة في أمن وسلامة الملاحة الدولية في البحر الاحمر لذا يبدو النشاط والحضور المكثف الاسابيع الاخيرة لافتا ومثيرا للاهتمام.
بالاشارة للبحر الاحمر فأهميته المشتركة للبلدين أن مصر واليمن هما حجر الزاوية الأهم كونهما الدول المتحكمة بمضايق السويس وباب المندب، والمعلوم أن مصر تتعامل مع أمن البحر الأحمر وبوابتيه أنها قضية من أهم ثوابت وركائز الأمن القومي المصري ربما تفوق في نظر كثير من المراقبين ملف النيل وأكثر خطورة من سد النهضة.
لاشك أن ملف البحر الأحمر وحجم التهديدات الذي استجدت وحوادث التخريب التي تم تنفيذها فعلا من الحوثيين وحليفتهم طهران هو أمر يعزز اهتمام القيادة المصرية بالملف اليمني ويفسر حضورها الاخير، لكن في تقديري ليس هو السبب الوحيد.
الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في خطابه بمناسبة ذكرى 26 سبتمبر افرد مساحة لافتة للحديث عن الدور المصري في اسناد ونصرة الثورة اليمنية الأم، التي انطلقت قبل 58 عام وأسقطت نظام الامامة الرجعي الذي يعتبر الحوثيون امتدادا له، اشاد هادي بدور مصر وشهدائها في دعم وتثبيت ثورة اليمن التي كان لمصر في تثبيتها دورا جبارا كما أشاد الخطاب بكل مواقف مصر تجاه اليمن، من خلال متابعتي لاحظت أن الاعلام المصري التقط هذه الفقرة من خطاب الرئاسة اليمنية.
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كان قبل ذلك بأيام قد استقبل وزير الدفاع اليمني الذي زار مصر مؤخرا، واستقبال رئيس الجمهورية لوزير دفاع بلد آخر هي رسالة يدركها أي متابع.
نائب رئيس الجمهورية اليمنية الفريق أول علي محسن الأحمر استقبل سفير جمهورية مصر العربية وتقريبا هذا اللقاء يتم للمرة الاولى منذ تعيينه.
وجاءت زيارة رئيس الوزراء اليمني إلى جمهورية مصر العربية قبل أيام بدعوة من نظيره المصري صحبة فريقه الحكومي لتعزز التفسيرات التي تقول بوجود تحرك غير المعتاد في السياسة المصرية تجاه اليمن.
كل هذه اللقاءات وتغطياتها الروتينية أكدت أو جددت دعم القيادة المصرية للشرعية اليمنية ووقوفها الى جانب الشعب اليمني في استعادة قراره ودولته وعدم توانيها عن حماية الأمن القومي العربي من أي تهديدات وجودية قد تطاله عبر بوابته الجنوبية (اليمن).
يعتقد طيف واسع من النخب والقيادات اليمنية أن ما تملكه مصر من تأثير وقبول وفرص في الملف اليمني لا يتوفر لأغلب الدول الشقيقة والصديقة وتكاد كمية المشتركات والتداخلات التاريخية وحتى النفسية بين البلدين - في نظر اليمنيين - لا تشبهها أي حالة عدا حجم المشتركات بينهم وبين جارتهم وشقيقتهم الكبرى السعودية.
تختلف العلاقات وتتفاوت الرؤى بين القوى اليمنية وتتجاذب مستوياتها تجاه ملفات كثيرة وفقا للمصالح والأولويات وحتى الأيديولوجيات، لكن تلك التباينات تتقلص حد التلاشي حين يتعلق الامر بنظرة هذه المكونات لدور ومكانة مصر في اليمن وربما كان دورها الكبير في دعم ثورة اليمن أبرز أسباب تشكل هذه القناعة، إضافة لدور مصر في استضافة الحركة الوطنية اليمنية في الخمسينات، وبعد خمس سنوات من الدعم والاسناد العسكري والسياسي الجبار لثورة اليمن، كان الحضور المصري طيلة العقود اللاحقة في ميدان التعليم وبناء الجيش وتأهيل المؤسسات ومختلف القطاعات كان الكادر والخبرة والدعم المصري هو العامل الأهم في بناء الدولة اليمنية وتنوير الشعب اليمني، وهذا أمر ثابت لا يختلف عليه او يتنكر له في اليمن اثنان، كما أن ما مثلته وتمثله مصر منذ اندلاع الحرب من مأوى ومأمن للنخبة اليمنية والمتضررين من الحرب واعتبارها خيار اول لليمنيين هو من الظواهر الملموسة.
مجدداً تواجه اليمن ذات التهديد الذي جاءت من أجله ثورة سبتمبر قبل 58 عام وجاء من أجله ناصر وجيش مصر العظيم وكوادرها، لاشك أن اليمن لم تعد بذلك الضعف لكن الخطر القائم اليوم يهدد الامن العربي عموما وليس اليمني فقط، حيث ارتباطه المعلن بالمشروع الإيراني، كما أن التباينات العربية والإنقسام تجاه ثورة 26 سبتمبر 1962م التي أضافت تعقيداتها انذاك لم تعد قائمة اليوم، بل تمثل اليمن وقضيتها أهم ميادين التوافق والإجماع العربي الذي تعد مصر والسعودية أهم قلاعها.
لا أدري إن كان الاهتمام المصري المحلوظ تمهيدا لدور أوسع في اليمن، لكن الثابت أن الوجود العربي المصري الفاعل في الملف اليمني سياسيا أو ميدانيا هو الحالة الطبيعية التي تتناسق مع مركز مصر ومحوريتها الإقليمية وفرص قبولها وايضا وجود الفراغات التي تستطيع ملأها بجدارة، ومصر كعضو في التحالف العربي قادرة اليوم على تصويب المسارات المتعثرة وتحريك المياه الراكدة، وخلال سنوات الأزمة بانت بوضوح بشع الأطماع الإيرانية ونواياها الشريرة المتربصة بالمنطقة بعد أن ظلت تخفيها وتنكرها بشدة.
تمتلك مصر خبرة كبيرة وإرثاً وتجربة مهمة في الملف اليمني وطبيعته، إضافة للفرص والمتاحات التي أشرنا إليها، كما أنها بالتنسيق مع قيادة التحالف ممثلة بالسعودية، وبتعزيز تواصلها مع المؤسسة الخكومية اليمنية وفتح قنوات مع كل الاطراف والمكونات الفاعلة في المشهد اليمني وبمنهجية علمية في تقييم الفترة الماضية من تجربة التحالف العربي، يمكن أن يتحقق لليمن ولمصر وللأمن العربي والدولي أيضا، الكثير والكثير.
* نقلاً عن المصدر أونلاين