ضغط أمريكي لإنهاء حرب في اليمن ورهانات سعودية خاسرة
قبل خمسة أيام تقريباً زار مستشار الأمن الوطني الأمريكي جاك سوليفان المملكة العربية السعودية، ليكون أكبر مسؤول أمريكي يزور الحليف القديم منذ وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة أوائل العام الحالي، وكان اليمن حاضراً بقوة في معظم محادثات المسؤول الأمريكي المتشدد.
كان سوليفان قد حمل معه خلال هذه الزيارة مؤشرات سيئة للغاية بشأن الإجراءات المتخذة من قبل المؤسسات الأمريكية ضد استمرار ما توصف بأنها حرب السعودية في اليمن، ومنها تصويت الكونجرس في الرابع والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي؛ على تعديل في قانون تفويض الدفاع الوطني تقدم به النائب الديمقراطي المناهض للحرب في اليمن رو خانا.
وللدلالة على خطورة هكذا تعديل، يكفي أن نعرف بأنه يقضي بإنهاء كل أنواع الدعم الأمريكي للأعمال العسكرية السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وإيقاف دعم الصيانة والتزويد بقطع الغيار للقوات الجوية السعودية.
يواجه ولي العهد السعودي الطامح إلى تولي منصب الملك في بلاده؛ تحديات خطيرة يأتي أكثرها تأثيراً من المواقف الأمريكية المضطربة حيال المملكة، والتي تتزامن مع ما يمكن وصفه بانسحاب واشنطن من شراكة استراتيجية طويلة جمعتها مع الرياض على مدى عقود من الزمن، على الرغم من التطمينات التي جاء بها سوليفان نفسه بشأن التزام بلاده بالدفاع عن السعودية من الاعتداءات التي تتعرض لها.
لا يبدو أن السعودية وولي عهدها سعيدان بهذه الزيارة التي لم تكن تعويضاً كافياً عن إلغاء غير مبرر لزيارة كان من المفترض أن يقوم بها وزير الدفاع الأمريكية إلى الرياض الشهر الماضي.
وأقل ما يمكن أن يقال عن زيارة سوليفان، وبما أنها تركز بشكل كبير على الملف اليمني، إنها تقوض الهيمنة شبه المطلقة التي تمارسها السعودية على اليمن وسلطتها الشرعية، عبر التدخل العسكري الراهن، وهي تدرك عواقب أن تضع واشنطن ثقلها في قضية إنهاء الحرب دون أن تتمكن الرياض من صياغة النهاية المفترضة لها؛ بما يتفق مع مصالحها الاستعلائية في الحقيقة، والتي تصل إلى حد تجاوز مصالح الشعب اليمني والإساءة إلى دولته وتفكيكها وتمزيقها.
من الواضح أن المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار المعلنة من جانب وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، في 22 آذار/ مارس 2021، والتي أعاد ولي العهد السعودي التأكيد عليها خلال لقائه في نيوم مستشار الأمن الوطني الأمريكي، تستنفد أثرها في توجيه المواقف الأمريكية خصوصاً تجاه الحوثيين. إذ يبدو أن المسؤول الأمريكي يريد من السعودية أن تعيد تكييف هذه المبادرة إلى المستوى الذي يسمح بإنهاء الحرب؛ بغض النظر عن النتائج التي قد تبقي الحوثيين قوة عدائية حقيقية في جنوب المملكة. هذا على الأقل ما أوحت به تصريحات ولي العهد السعودي التي أدلى بها في وقت سابق من هذا العام.
ما من طرف يمكن أن يحقق استفادة جوهرية من دفع السعودية إلى مغادرة اليمن بطعم الهزيمة أكثر من إيران، ومن المؤسف أنه إن حدث ذلك فإن إيران هي من ستعلن الانتصار في واحدة من أهم جولات المواجهة العديدة التي تخوضها ضد النفوذ السعودي المتراجع في المنطقة.
لكن الشعب اليمني سيكون قد تعرض لعدوان مزدوج من جانب الحوثيين الانقلابيين المدعومين من إيران، وبالقدر نفسه وربما أسوأ منه من جانب السعودية والإمارات اللتين تدخلتا عسكرياً بنيّة تنفيذ واحدة من أسوأ تجليات الثورة المضادة ضد الربيع العربي في ساحته اليمنية.
لمواجهة سيناريو سيئ بالنسبة للسعودية، قد تلجأ إلى إحياء المحادثات التي لم تنقطع مع الحوثيين، لكن من غير المرجح أنها ستحصل على ضمانات كافية ومستدامة بشأن أمنها القومي، في ظل نجاح الحوثيين بخلفيتهم الأيديولوجية والحركية الحالية والتي تتماهى مع إيران.
لهذا يسابق الحوثيون الزمن، لا لاستكمال سيطرتهم على شمال البلاد وأجزاء مهمة من جنوبها فحسب، ولكن أيضاً لإفشال مخطط سعودي خفي يدور حول إعادة إحياء علاقة قديمة مع النسخة الأكثر اعتدالاً من الحوثيين، وهي مهمة ساندتها بريطانيا وشجعت الرياض عليها، ما يعني ضمنياً أن السعودية وبريطانيا وأمريكا والإمارات تتشارك هدف إنهاء الحرب على أنقاض الدولة اليمنية والقوى السياسية التحررية، وإن كانت واشنطن لا تزال تتميز بموقف مؤيد لبقاء اليمن موحداً.
هناك قيادات تمثل امتدادات للنظام الإمامي الكهنوتي البغيض الذي ثار عليه اليمنيون في 26 أيلول/ سبتمبر 1962، وعدد لا بأس به من هذه القيادات متواجد في صنعاء، ويعتقد أن جماعة الحوثي تتجاوزه بصلافة. وهذا العدد بالتأكيد هو الذي تراهن عليه الرياض، بالإضافة إلى أؤلئك المتواجدين في المملكة ويحملون الجنسية السعودية، ويتضامنون بشكل قوي جداً ولكن سري مع الحوثيين.
وهذا يفسر كيف أن السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، فقد أعصابه وهو يخاطب قيادات في مأرب بحدة عالية على خلفية اعتقال أحد القياديين المؤيدين للانقلاب، أثناء مروره في مأرب عائداً إلى صنعاء من زيارة له إلى السعودية، وكان السفير يبرر رفضه اعتقال الرجل، بأنه زيدي وليس حوثياً، علماً بأن الرجل ويدعى يحيى الديلمي؛ سبق أن تلقى حكماً بالإعدام على خلفية اتهام له بالتخابر مع إيران.
لكن القيادات في مأرب لم تطلق سراح الديلمي إلا مقابل إطلاق شخصيات مهمة كانت رهن الاحتجاز لدى جماعة الحوثي في صنعاء منذ بداية الحرب.
فمن يقنع السعودية بأن هذه القيادات تتشارك مع الحوثيين هدف استعادة الإمامة وترسيخها، والإمامة بنسختها الجديدة لن تكون ملكية مطلقاً؟ ولهذا لا يستبعد أن القيادات الزيدية المناوئة للحوثيين ظاهرياً ترى أن الأمر يستحق مخادعة السعودية عبر تصدير أوهامٍ، من قبيل أن بوسعها أن تحل محل الحوثيين وتنهي صلة سلطة الأمر الواقع الشيعية الحالية في صنعاء بإيران ومنظومتها المتطرفة في المنطقة.
عربي 21