هل تخطط مصر للتواجد في باب المندب؟

خلال الأسبوع المنصرم، كان وزير الدفاع اليمني الفريق الركن محمد علي المقدشي، ضيفاً على نظيره المصري في زيارة لم يعلن عنها من قبل، وكان اللافت فيها الاهتمام الكبير الذي لقيه الوزير من قبل أعلى المستويات في مصر، والتصريحات الحماسية حول وحدة اليمن وأمنه واستقراره في وجه التدخلات الخارجية.

حدث قد لا يبدو جانبياً، رغم أن الوزير غادر مأرب لينجز هذه الزيارة في وقت حقق فيه الحوثيون اختراقاً خطيراً إثر تقدمهم في مناطق واسعة من غرب محافظة شبوة واستيلائهم على مركز مديرية حريب الواقعة جنوب محافظة مأرب، المعقل العسكري الأهم للشرعية والذي تتواجد فيه وزارة الدفاع والوزير المقدشي.

من المفترض أن تطرح العديد من الأسئلة حول توقيت زيارة كهذه، وعما إذا كانت تأتي في إطار الخيارات التي قد تلجأ إليها الشرعية لمواجهة تحديات وجودية إثر تراجع الزخم العسكري للتحالف المساند لها، وتحول جهد التحالف واستراتيجيته نحو استهداف هذه الشرعية عبر استنزافها التدريجي واقتضام مناطق نفوذها وتدمير مقدراتها العسكرية.

وهل يمكن لمصر أن تنهض بدور الحليف الإقليمي البديل والمستقبلي للشرعية تأسيساً على قواسم مشتركة عديدة بين البلدين؛ أهمها العلاقة الوثيقة بين قناة السويس وباب المندب، والمخاوف المصرية من المآل الغامض للحرب في اليمن، والذي يَعدُ باضطراب وانقسام مستدامين للجغرافيا اليمنية، رغم أنها تحتل الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، ولذلك تأثيره العميق على أمن واستقرار المنطقة.

وفي الحقيقة لا إجابات دقيقة على هذه التساؤلات، خصوصاً أن مصر ليست مهيأة بعد للتصرف ضمن رؤية استراتيجية مستقلة، في شأنٍ تتقاطع فيه بشدة مع لاعبين إقليميين لصيقين باليمن وأزمته، ومتورطين في الحرب الدائرة فيه، كالمملكة العربية السعودية والإمارات اللتين يدين لهما نظام عبد الفتاح السيسي بوجوده، بعد أن وضع البلدان إمكانياتهما المالية والإقليمية على الساحة المصرية للإطاحة بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي يرحمه الله.

حتى هذه اللحظة ورغم الجلبة التي أحدثها اليمنيون المعارضون للنفوذ العسكري الإماراتي في جنوب اليمن ومضيق باب المندب وجزيرة ميون الواقعة وسط المضيق والمهيمنة عليه؛ فلا شيء تغير، فالإمارات لا تزال تواصل الأعمال الإنشائية لقاعدة عسكرية في تلك الجزيرة الاستراتيجية.

ومع هذا الاستمرار غير المكترث تدرك أبوظبي أنه يصعب عليها أن تنفرد في السيطرة على باب المندب بدون قائدة التحالف، التي وفرت لها غطاء سياسياً وإعلامياً، وحالت دون استمرار الحملة التي شارك فيها برلمانيون وسياسيون يمنيون، وضغطت على الحكومة لإنهاء القضية أو تمييعها.

وسبب الرفض اليمني للنشاط العسكري الإماراتي هو أنه يتم خارج الالتزامات المفترضة لهذه الدولة لتؤديها لصالح اليمن وسلطته الشرعية، ونتيجة لانخراطها بدلاً من ذلك في مهام عدائية لتقويض السلطة الشرعية، ودعم فصائل مسلحة متمردة، واستمراراها في الآن ذاته في التحكم بالمقدرات الاستراتيجية لليمن دون أن تلقي بالاً لشعب تعداده يزيد على الـ30 مليون إنسان.

هذه الملابسات ربما ترجح أن السعودية هي التي نسقت زيارة وزير الدفاع أو أن هذه الزيارة تمت بموافقة الرياض، ما يعني على أية حال أن السعودية، بصدد دعوة مصر لتؤدي دوراً عسكرياً في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، في إطار شراكة لا تمنح القاهرة حق التحكم المطلق بهذه المنطقة الحيوية، بل لتأمين غطاء عربي للمهمة التي تريدها الإمارات أن تكون مهمة حصرية لها، وتريد السعودية كعادتها أن تخفف من حدة النفوذ الإماراتي وتُبقي الأمر في نطاق التحالف كما هو الحال في عدن وحضرموت وسقطرى.

قبل أكثر من شهرين، اندفع بعض البرلمانيين إلى إطلاق دعوات مثيرة للجدل، لكل من السعودية ومصر للمجيء إلى باب المندب بدلاً عن الإمارات، حتى بدا الأمر وكانه جزء من ترتيب تشرف عليه السعودية، ولاقى استحساناً مصرياً دافعه ومبرره رغبة البلدين في التحكم بهذه المنطقة وقطع الطريق على لاعبين إقليميين محتملين.

الإشارة الأرجح هنا إلى تركيا، التي حققت حضوراً مميزا ومؤثراً في الصومال، عبر تأسيس نموذج أخوي للشراكة، يقوم على تبادل المنافع وتأسس على هدف أخلاقي قوامه انتشال بلد إسلامي مثل الصومال من دورة عنف طويلة أتت على كل شيء فيه وقوضت الدولة، في وقت غابت فيه الدول العربية عن الصومال وعادت للأسف لتلعب دور المنافس السيئ لتركيا؛ متوسلة الأدوات ذاتها التي دمرت هذا البلد.

يلحظ المراقب أن ثمة حاجة سعودية لتعويم النفوذ في باب المندب، للتخفيف من حدة الاحتقان الذي سببه وجود إماراتي عسكري في جزيرة ميون وباب المندب، خصوصاً أن النشاط العسكري الإماراتي يرتبط بشكل واضح بمخطط تخريبي هدفه تقسيم اليمن وإسناد القوى المتمردة، وهو سبب كاف ليبدو النشاط الإماراتي مستفزاً لكل اليمنيين.

هذا يعني في المحصلة أن مصر التي استقبل رئيسها وزير الدفاع اليمني واحتفى به وأطلق تصريحات رنانة تتعلق بالتزام مصر بوحدة اليمن وأمنه واستقراره ضد التدخلات الخارجية، متحمسة على ما يبدو إلى لعب دور عسكري في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مستغلة ما تبقى من نفوذ دستوري للشرعية المرتهنة في الرياض، وهي تدرك أن وجودها لن يكون مكلفاً إطلاقاً، إذ إنه لن يضعها في تماس مع بؤر الصراع المشتعلة، أو مع أي من أطراف هذا الصراع، بقدر ما سيمثل تموضعاً احتياطياً.

ويبقى الأمر مرهونا بمدى التزام مصر بتصريحات رئيسها، على الأقل في ما يخص احترام سيادة اليمن ووحدتته، خصوصاً أن استدعاء مصر من جانب السعودية قد يجعل من مصر شاهد زور على دور سعودي إماراتي استهدف ولا يزال يستهدف الثوابت التي شدد عليها الرئيس المصري وفي مقدمتها وحدة اليمن وأمنه واستقراره.


المصدر: عربي 21