التنكيل بمحافظة تعز

شكلت المواجهات الأخيرة التي وقعت غرب مدينة تعز وأسفرت عن مقتل العديد من الأشخاص وتشريد بعض العائلات، ذروة الوضع المنفلت الذي تُساق إليه مدينة تعز سوقاً رغم ما يتحلى به أبناؤها من انضباط وانصياع لدولة القانون ووعي بالمشروع الوطني.


من المؤسف أن بعض قتلى النزاع على قطعة أرض في منطقة بير باشا كانوا من أكثر المقاتلين فتكاً بالميلشيا الانقلابية وتشهد لهم الجبهات بالبطولة والتضحية والجلد، والمؤسف أكثر أنهم اتكأوا أخيراً على زنادهم للحصول على لقمة العيش.


بالتأكيد لا شيء يبرر الجريمة التي وقعت في تعز، فحجم الضحايا يشير إلى طبيعة التحول الذي حصل في مزاج الناس عموماً وفي مزاج وسلوك المقاتلين خصوصاً، إلى حد أنهم لا يترددون عن استخدام السلاح في فرض شروطهم وتحديد معالم نفوذهم وفي الحصول على الموارد التي تمكنهم من البقاء في زمن الشح المالي غير المسبوق الذي يعاني منه المنخرطون في صفوف الدفاع عن الجمهورية والدولة.


منذ أكثر من ثمانية أشهر انقطعت الرواتب عن المقاتلين، الأمر الذي أوقعهم في ظروف بالغة الصعوبة من الناحية المعيشية.


ومع أن معظم المقاتلين يتقاسمون النتائج الكارثية لانقطاع المرتبات، إلا أن القلة القليلة منهم اختار اختصار الطريق للوصول إلى احتياجاته حتى لو ألجأه الأمر إلى ممارسة البلطجة والنهب والسلب والاعتداء على الحقوق وخوض جولات من الصراع حول الأراضي التي تعود ملكيتها لأناس لا يملكون القوة الكافية للدفاع عنها في ظروف منفلتة.


يأتي ذلك في وقت تتعرض فيه تعز لحالة من الاستقطاب الممنهج ولإعادة توجيه بوصلة النزاعات المنفلتة هذه باتجاه أطراف سياسية بعينها لطالما تعددت وسائل استهدافها وفشلت طيلة السنوات السبع الماضية من زمن الحرب.


لم يعد من المنطقي صرف النظر عن الجهات الخفية المعلنة التي تغذي الصراع المنفلت في تعز بعد أن خسرت جولات سابقة من المواجهات متعددة الأدوات، كانت كتائب أبو العباس الإرهابية إحداها.


لطالما كرس الخطاب المرتبط بهذه الجهات ادعاء مفاده أن مشكلة تعز تكمن في هيمنة طيف سياسي بعينه على مقدرات المحافظة، وهذا الطيف بالتحديد ينصرف إلى الإصلاح وإلى المقاومة والجيش الوطني، وهي في الحقيقة ثلاثية التضحية والبذل، تشهد بذلك معارك المواجهة مع الحوثيين الذين يدركون أكثر من غيرهم أن خصمهم اللدود في تعز هو هذا الثلاثي، الذي يعكس في تكوينه البنى الاجتماعية والسياسية لمحافظة تعز على نحو يتجاوز معه هذا التصنيف المقصود لذاته خصوصاً عندما يتحول الصف الوطني المواجه للانقلابيين إلى مجرد أدوات بيد التجمع اليمني للإصلاح، بحسب ما تذهب إليه الثورة المضادة وأدواتها.


منذ ترؤسه الحكومة بقي الدكتور معين عبد الملك على مسافة لا بأس بها من محافظة تعز، لكنه هذه المرة أصدر بياناً بشأن الأحداث الأخيرة، وهو بيان جدير بالاهتمام لو تجاوز بعده الدعائي الموجه إلى إجراءات ملموسة على الأرض، من أولوياتها احتواء تداعيات جرائم القتل التي شهدتها وتشهدها مدينة تعز على خلفية الصراع المنفلت على الأراضي، والقضاء على مبررات هذا الصراع من خلال فرض القانون، والعناية بالمقاتلين بأن تنتظم الحكومة في صرف رواتب الجيش والأمن وتسد هذه الذريعة بأسرع ما يمكن.


تتحمل السلطة المحلية بقيادة محافظ محافظة تعز نبيل شمسان المتواجد في القاهرة، المسؤولية الكاملة عما يحدث في تعز.


وبالتأكيد سيرد البعض بالقول ما الذي بيده، والإجابة على هذا السؤال سهلة، إنه المال الذي يتصرف به والذي يصل إليه وعبره حصرياً، بما فيه ذلك أموال عائدات الضرائب والخدمات.


هذه الأموال يفترض أن تحل جزءاً مهما من مشاكل تعز وتحتوي التداعيات السيئة عن حالة الإفقار المتعمد للمقاتلين في الجبهات على وجه الخصوص، وإذا لم يقم بواجبه فعليه أن يستقيل فوراً.


وبدلاً من استثمار ما يجري في تعز للوصول إلى نتيجة غير معادلة مفادها أن الوضع السيئ في المدينة يؤكد فشل قوة سياسية بعينها، أو حتى القوى السياسية مجتمعة، فإنه يجب أولا محاسبة الجهات الرسمية المعنية بفرض القانون والتي يجري تعيينها بضغوط من التحالف وتعمل تحت إشراف السلطة الشرعية المهاجرة، على تقصيرها وتخليها عن مهامها القانونية والدستورية في المحافظة.


اليمن نت