معركتان في إقليم سبأ

يشهد إقليم سبأ الذي يضم البيضاء، مارب والجوف، خلال الأيام الماضية معركتين مهمتين أحدهما في مديرية الزاهر وأجزاء من المناطق المجاورة، والأخرى في مديرية رحبة، وكلا المديريتين كانتا تحت سيطرة جماعة الحوثي الانقلابية.


طويت معركة الزاهر المشرفة، بعد أن تمكنت الجماعة المسلحة من استعادة السيطرة على المديرية والتي فقدتها منذ اللحظة الأولى التي تمكن فيها ابطال آل حميقان من الحصول على الأسلحة والذخيرة.


النقطة المشتركة في كلا المعركتين أنهما اندلعتا في ظل غياب شبه كامل لقيادة السلطة الشرعية خصوصاً القيادة العسكرية، وبدا واضحاً أن رجال السعودية هم الذين تولوا إدارة المعركة، ولقد كان لهذا الأمر تبعات سيئة للأسف الشديد، فقد وضع أبناء مديرية الزاهر كل ثقتهم بالدعم الذي وعدوا بالحصول عليه، عبر قيادات سلفية محسوبة على المملكة.

لكن الأمور اتخذت مساراً عكسياً، فبعد الانتصارات المضطردة، نفذ الحوثيون هجمات معاكسة أدت إلى استعادة السيطرة على كافة المناطق التي تم تحريرها.


الأمر فسره بعض القادة السلفيين بكل وضوح على أنه نتاج للخذلان الذي جاء من جهة المجلس الانتقالي وأحزمته الأمنية وقياداته وخصوصاً صالح السيد الذي حملوه المسؤولية عن منع وصول الإمدادات إلى جبهة البيضاء، وهو سبب كاف لكي يخسر الأبطال معركتهم في هذه المنطقة الحيوية، لكن ما الجديد، فهؤلاء لا دور لهم سوى خيانة المعركة.


لكنني هنا لا أستطيع أن اكتفي بإلقاء اللوم على انفصاليي المجلس الانتقالي والحزام الأمني وقادته، وهم لفيق من أسوأ الأشخاص الذين تم تجميعهم من قبل التحالف ليقوموا بهذا الدور لا سواه وهو تعطيل استعادة الدولة وخلق مسار جانبي للمعركة ينتهي بها إلى الوضعية الراهنة من الصراع والفوضى التي أفقدت المناطق المحررة كل قيمة أو معنى للتحرر.


وصادف أن معظم منتسبي الحزام الأمني من يافع ضمن خطة التقاسم المناطقي للقوات التي أنشأتها الإمارات، لذا دائماً يلقى اللوم على يافع، التي قاتل بعض رجالها إلى جانب أبناء البيضاء وآل حميقان وقدموا تضحيات مقدرة ومعظم طبعاً من السلفيين المحسوبين على السعودية، في الوقت الذي يواصل فيه قادة الحزام الأمني التخادم مع الحوثيين بدم بارد.


هذا يوصلنا إلى نتيجة مفادها أن التحالف وقائدته السعودية على وجه الخصوص، بإمكانها أن ترتب لإيجاد مثل سيء للفشل في معارك مواجهة الحوثيين، كالتي دارت في البيضاء ومن قبل في الجوف ونهم، لكن ذلك لا يحول دون إعادة طرح السؤال: لماذا عجزت السعودية عن إيصال الامدادات للمقاتلين المحسوبين عليها، ولماذا تواصل تحطيم حلفائها بهذا الشكل المثير للاستهجان.


لا يوجد ما يمنع القوات السعودية من إيصال الأسلحة إلى البيضاء، تستطيع أن تقوم بذلك عبر الإنزال الجوي إن لزم الأمر أو من خلال تسيير قوافل عسكرية محروسة بالطائرات، ولكنها لا تريد أن تفعل ذلك، على نحو يثير الشكوك بشأن مغزى إفشال معركة البيضاء الأخيرة والتسبب في مقتل العشرات من خيرة الشباب الذين تطلعوا إلى استعادة بلدهم والعيش بكرامة.


وفي مديرية الرحبة بمحافظة مأرب المجاورة، تتحقق إنجازات عسكرية مهمة هذه الأيام وهو أمر يثلج الصدر ويبعث على الأمل، وعلى الرغم من أن مسرح العمليات يمنح القوات الحكومية ميزة إضافية كونها متصلة بمركز إمداد ثابت يأتي من جهة مأرب، إلا أن المشكلة قد تنشأ عن عدم قدرة مركز الإمداد عن مواصلة إسناد المعركة، لأن ذلك ببساطة يتطلب دعماً طالما كان التحالف بقيادة السعودية شحيحاً في تأمينه طيلة السنوات الماضية.


حينها كان التحالف ولا يزال ربما، يتمسك بقوة بسردية سخيفة تتعلق بالخطورة الكامنة في مهمة الجيش الوطني، الذي نظر إليه على الدوام على أن مجرد كتائب انسلت من عباءة الإخوان أو الإصلاح، وهي سردية مرفوضة لأنها تتجاهل الوضعية الحالية لمارب باعتبارها مرجل الوطنية الكبير الذي يصعب معه اعتساف هوية سياسية أو أيديولوجية، بعينها من هرم الجمهورية الذي يشمخ في مأرب مؤذنا بولادة وطن يمني جديد.


وإذا افترضنا أن الهجوم العسكري للجيش الوطني على معاقل الحوثيين في رحبة يأتي ضمن خطة لتحرير مديريات مراد وصولاً إلى البيضاء، فهذا يعني أن السعودية جادة في تحقيق إنجاز عسكري في هذه المنطقة الاستراتيجية، وهذا قد يتجاوز إشكالية منع الإمدادات من جهة يافع، وإلا فإننا لن نصدق مطلقاً أن التحالف وقائدته في وارد التعاطي بمسؤولية في حرب اليمن.


اليمن نت