خالد اليماني الذي تحوّل فجأة إلى مُنظِّر بائس للمشروع الانفصالي
خالد اليماني، ابن الدبلوماسية اليمنية، شغل منصب مدير دائرة مكتب وزير الخارجية، ثم المندوب الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة، وسفيرًا لدى واشنطن، قبل أن يُعيَّن وزيرًا للخارجية.
هذا الرجل كان حتى فترة قريبة وطنيًا وعقلانيًا، ولم يكن مضطرًا لأن يثبت لليمنيين أنه فقد بريق المنصب وإمكانياته الواسعة، لأنه أساسًا لم يفقد فرصة العيش الكريم في منزله الفاخر الذي اشتراه ويسكنه في أمريكا، ولا المكافآت التي يحصل عليها من مشاركاته ومحاضراته وكتاباته.
وأعتقد أن الكتابة المنتظمة في صحيفة إندبندنت عربية ـ وهي نسخة عربية مشوهة وركيكة من الصحيفة الإنجليزية ـ ربما كانت الطُّعمَ الذي اصطاد الوزير، كما اصطادت الإمارات غيره، ودفعته إلى مهاوي المواقف المخزية.
لقد وقع خالد اليماني في هذا الفخ التاريخي الذي حوّله فجأة إلى مُنظّر عديم المصداقية للمشروع الانفصالي، وإلى مروّج لفكرة تنصيب المجلس الانتقالي ممثلاً وحيدًا للقضية الجنوبية، وكأنّه منظمة التحرير الفلسطينية، وكأنّ الانتقالي وشعبه يرزحون تحت نير احتلال!
الاستمرار في الحديث بهذه الطريقة عن “القضية الجنوبية” هو سلوك انفصالي مشين، وضرب من الانتهازية التي ترتدي ثوب النضال المزيّف. فالمجلس الانتقالي يمتلك كل الإمكانيات للانفكاك عن الدولة اليمنية لو أراد، لكنه يعرف جيدًا أنه أعجز من القيام بهذه الخطوة. لذلك يستعيض عنها بجلب مواقف من نوع تلك التي صدرت عن خالد اليماني؛ مواقف لا ترفع من شأنه، بل تمثّل سقوطه المدوي وفقدانه لمصداقيته، ولن تغيّر شيئًا في واقع الجنوب المتشظي.
لقد قبل اليماني أن يكون المدفع الذي تطلق عبره أبوظبي إحدى قنابلها الصوتية باتجاه الرياض. ولا ينبغي إغفال توقيت هذا التصريح، إذ جاء بعد مطالبة ولي العهد السعودي للرئيس ترامب بإنهاء الحرب في السودان، تلك الحرب الكارثية التي تنخرط فيها الإمارات بشكل سافر.
ينتمي خالد اليماني إلى محافظة لحج ـ الوادي تحديدًا، نسبة إلى وادي تبن، أي قاع "المثلث المأزوم" ـ ما يعني أن الرجل لن يضيف شيئًا إلى وزنه السياسي، بل سيخسر مما تبقى من مكانته الوطنية التي كان يتمتع بها قبل هذا الموقف المخزي.
فالمجلس الانتقالي ليس ممثلًا وحيدًا للجنوب، ولا يستند إلى أرضية نضالية أصيلة. الجميع يعلم أنه مشروع إماراتي بامتياز، سخّرت له أبوظبي كل الإمكانيات التي جعلته الوريث المُدلّل لجزء من الجغرافيا المحررة في الجنوب.
ولا يوجد ما يدعم مزاعم الانفصاليين بأنهم قاتلوا الحوثيين منفردين وانتصروا. وبوسع المجلس الانتقالي أن يثبت أنه قوة مهابة وقادرة، لو أنه أعاد تصدير النفط من حقول حضرموت وشبوة، ووظّف عائداته لصالحه.
المشروع الانفصالي لا يعبر عن استحقاق تاريخي للجنوبيين، لأنه يفتقر إلى أرضية توافقية، ولأن الانقسام الجنوبي نشأ منذ لحظة الاستقلال وإنشاء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، حيث بقي ثلاثة أرباع المجتمع في خصومة تاريخية معها. فالهوية الجنوبية نفسها فسيفسائية سياسيًا، والتصوّر الذهني للجنوب المراد “استعادته” ليس موحّدًا. فهناك من يريد جنوب ما قبل 1967، وله أنصاره الجاهزون ومرجعياته الإقليمية.
من صفحة الكاتب على الفيسبوك