لا مشروعية تتأسس على الخرافة والموت

كانت عدن فيما تحكي المصادر التاريخية من أهم أسباب انهيار الدولة الرسولية، إذ كانت عماد خزينة الرسوليين وربما رافدهم الأكثر أهمية.    

بدأ الأمر بتوتر علاقة الرسوليين بالمركز وهو هنا حكم المماليك في القاهرة وكانوا وقتها سادة البحار وحراسها، اذ يروى أن السلطان المجاهد قطع الهدايا والهبات التي كانت ترسل عادة لأمراء المماليك في مصر وقام كذلك برفع العشور على جميع الواردات والصادرات في ميناء عدن وهو ما ضيق الخناق على التجار، وأمام هذه الإجراءات شرع المماليك في التواصل مع جميع التجار واصحاب السفن في الهند والصين فاتحين لهم خطوط نقل وموانئ بديلة اذ عملوا على تأهيل مينائي ينبع وجدة وغيرهما وهو ماعنى ضرب ميناء عدن في مقتل وتجفيف اهم موارد الخزينة الرسولية المستنزفة أساسا في محاولة تثبيت الأوضاع واخماد التوترات المشتعلة في ارجاء الدولة ، الأمر الذي دفعها للضغط على المجتمع المحلي من تجار ومزارعين اذ عملت على فرض المزيد من الارتفاعات والجبايات والإتاوات، وهذا كله أدى الى انفجار الأوضاع في اكثر من منطقة، اذ انطلقت تمردات مجتمعية وعشائرية كثيرة وكان على رأسها ثورات قبيلة المعازبة في تهامة وهي من اكثر القبائل التي واجهت الحكومات الدخيلة عموما بدءا من حكم الأيوبيين، وهم من ذؤال وينحدر منهم الزرانيق وكانوا اهل خصب وزراعة وثروة واشتهروا بالفروسية والإباء والتمرس على القتال ولهم سيرة ضاجة في مواجهتهم لعسف وطغيان الدويلات المتعاقبة.  


وعلى هامش خطوات البنك المركزي المجهضة الأخيرة، تعود عدن للواجهة في ممارسة الدور الاقتصادي الضاغط على جماعة الحوثيين وإن بصور مختلفة، تعيد الى الأذهان بعضا من سرديات التاريخ المشاكلة، يفصح الحوثيون عن أزماتهم الكبرى بجلاء سيما من خلال هذا الضغط الهائل على المجتمع المحلي.  

هذا الانقضاض على البيوت التجارية والمصانع والشركات، هذه المصادرات واعمال النهب وفرض الجبايات ووضع النقاط الجمركية في كل منفذ، وأعمال النهب والتقطع وسوق الموظفين والعاملين في القطاع الخاص للسجون ووضع الجميع تحت جبروت "الحارس القضائي" المقيت هذا الحصار الداخلي الخانق الذي تمارسه على الفضاء العام عموما. وهذا العنف الممارس ضد منظمات المجتمع المدني واقتياد رواد العمل فيه للمعتقلات واجبارهم على الإدلاء باعترافات مزيفة تحت سطوة الإكراه والتعذيب، كل هذا في سبيل مواجهة أزمات وجودية راسخة عصية على الحل، لاتزيدها التدابير الرعناء الا تفاقما وتعاظما. ولن تؤدي   في النهاية الا لانفجار محتم ووشيك.

نحن إزاء جماعة عنف تريد مجتمعا من أجل الحرب، لا يعنيها الإنسان الا بكونه بندقا او حصالة داعمة لجهودها في دفع الناس نحو الجحيم، ولا يمكن أن تقوم الدول على منطق كهذا، اذ العنف والارهاب أكثر مقوضات المجتمعات والدول، ولا مشروعية تتأسس على الخرافة والموت أبدا.


من صفحة الكاتب على فيسبوك