هم العدو والعدوان
هم الحرب، لها يعدون وبها يعدون ويتوعدون ومنها اليها يفرون، هي بالنسبة لهم ضرورة ولازمة وجودية، مشروع بقاء، عليها يعيشون ويعتاشون.
مسيرة المسيرات والبنادق والألغام والوجود الفظ واللعنات الصارخة جماعة تنتمي للجحيم لا تستطيع العيش بدون الحرب ولا يمكنها أن تقود الا الى المحارق، لاحياة يعد بها الحوثي، لا شيء سوى الموت والخراب واليأس القاتل الذي يدفع البؤساء المنسحقين صوب أكثر الخيارات بؤسا وارتكاسا.
يديرون الحياة بالحرب، كل شيء مكرس للقتال، الأمر لا يكلف رجل الكهف سوى خطبته الزاعقة كل خميس لمستمعين يجلسون قسرا خارج الحياة يحدقون بسأم باد نحو رجل يطل ممتقعا من خلف الشاشة متبجحا مهددا العوالم بالفناء ومستنفرا الجميع للقتال في سبيل العدم، مشهد عبثي يذكرنا رواية 1984 لجورج اوريل وخطب الأخ الكبير من خلف الشاشة كطقس تعذيبي ضمن وسائل الرعب المفروضة بانتظام صارم.
غزة لا تصلح لتبييض جرائم الحوثي ضد ضحاياه من اليمنيين الذين يعدونه "نسخة محلية من الكيان الصهيوني" كما يقرر الزميل مصطفى ناجي في منشور سابق، غزة لا تشبه الحوثي وانما تشبه ملايين اليمنيين الذين اقترف الحوثي بحقهم كل الفظاعات وحاصر مدنهم وشردهم وفجر منازلهم واعتقل ذويهم ودمر حياتهم، غزة لا تنتمي للقتلة والسجانين ولا تمنح الحوثي شهادة تفوق اخلاقي ولا تقدم له مايبرر وجوده او يسوغ بشاعاته ولا تعطيه الحق في استدعاء تعاطف مناوئيه ولا تسقط حقوق ضحاياه في الداخل والذين لاتعنيهم هذي الحروب التي يطالبهم بدفع مقابلها من قضيتهم ومن موقفهم المناهض له.
لم تحدث تدخلات الحوثي فرقا في الحرب الإسرائيلية على غزة، وغاية ما يكسبه امتنان المخذول، اتذكر صلف الحوثيين في ٢٠١١ في ساحة التغيير. كانوا يتصرفون بعنجهية ويبدون صفاقة زائدة في التعامل مع الآخرين يومها أشرت الى اندفاعهم لكي يكونوا المعادل لشرور الحكم الذاهب، كانت استجابة الحوثيين للصراع تجعلهم يبدون كما لو أنهم في مهمة البحث عن عدو يعوض خساراتهم ربما لأهم عدوين لدودين كانا يمثلان مكسبهم الأهم من الحرب.
وقلت انهم لا يريدون أن يقال أنهم خسروا أعداءهم في هذه الثورة، أهم ركيزتين قامت عليها أسطورتهم. هم يدركون قصدي تماماً! ولا يريدون أن يقال أن الثورة السلمية أضافت إلى خسرانهم سلبهم سطوة المحارب المتمنع بقوة السلاح، وأنهم باتوا يعيشون أزمة وجود وضياع هوية، وأنهم يتخبطون بحثاً عن ذاتهم المضاعة في ميداني الفعل الثوري و السياسي، وهما ميدانان غريبان عنهم، لم يختبراهما من قبل ولم يتدربوا على إحراز سبق فيهما، لهذا يذهبون بعيداً للإعلان عن أنفسهم بيأس بالطريقة العنيفة التي يحسنونها.
إن أسوأ ما يمكن أن يقال عن حماستهم للقتال، وبحثهم الأعمى عن الاعتراك والاشتباك مع هذا أو ذاك، ممن تتوافر فيه بعض موجبات الخصومة: أنهم نبت الحرب، وأنها لم تعد وسيلة دفاع بالنسبة لهم، بل صارت حياة، ومشروع وجود. وأنهم خاضوا صراعاً مديداً ثم تركوه يقودهم، وأنهم قد أسسوا وجودهم على الحرب حتى غدوا أُسراها وصرعاها وأنهم ما عادوا يستطيعون العيش بدونها، فهي سوقتهم وعرفت بهم وأعلنت عنهم، حتى صارت هي القضية.
هم مفتعلو حروب، لا يتخيلون بقاءهم دون معركة، نحن ازاء جماعة تعتمد العنف خيار وجود. وتخوض حروبها متخففة من كل التبعات، يريدون اليوم تعويض خساراتهم باستدعاء إسرائيل لضرب بلاد مضروبة ومنكوبة بهم بغية استمالة السذج وانتزاع مواقف انكار تبرر عدوانهم لا أكثر.
هم آخر من يضعنا امام امتحانات اخلاقية أو وطنية، يحاربوننا ويستدعون معهم لحربنا كل عدو، نحن ضد اسرائيل من قبل أن يولدوا، ونحن ضدهم قبل وبعد استدعاء اعتداءاتها، هم استباحوا بلادنا وأباحوها لكل طامع، وهم المتهم المدان، وهم العدو والعدوان.
المصدر: بران برس