المجالس والأحلاف المناطقية في اليمن..المآلات والأهداف؟

بعد تأسيس مجلس حضرموت الوطني، واشهاره في الرياض، وما لقيه من دعم وتأييد، علاوة على ما يمثله من تهديد لمشروع المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) توالى تأسيس أحلاف مناطقية مثيلة؛ فبعد أسبوع من تأسيس وإشهار حلف قبائل وأبناء شبوة شهد الأسبوع الماضي تأسيس وإشهار حلف قبائل وأبناء أبين، مع استمرار الحديث عن التحضير لتأسيس مجلس عدن الوطني، ما يجعلنا نقف موقف القارئ المُمعن في النظر في هذه التجربة، وما يمكن أن تذهب إليه وتحققه من أهداف، وإمكانية أن تقتطع جزءاً من سلطة الدولة المركزية، في ظل مرحلة غير مستقرة، لاسيما وأن رئيس مجلس القيادة الرئاسي سبق ووافق على إعطاء حضرموت حق الإدارة الذاتية، وعقب ذلك طالب بيان تأسيس حلف قبائل وأبناء شبوة بتمكين أبناء محافظة شبوة من إدارة شؤون محافظتهم؛ وهو ما ألمح إليه حلف قبائل وأبناء أبين، فما الخلفية التي تُسند تأسيس هذه المكونات المناطقية في مناطق نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها؟.


السؤال ينطلق من فرضية أن التحالف صار يرى إمكانية تعميم مشروع الإدارة الذاتية في المحافظات، بما يمكنها من تحمل مسؤولية تسوية مشاكلها مع بقاء الجانب المركزي حاضرًا في الإيرادات والتمويل، لعل ذلك يُفضي إلى استقرار وحل للمشاكل التي عجزت عن مواجهتها الحكومة المركزية. والجانب الآخر من الفرضية تنطلق من إمكانية ان تمارس هذه المجالس والأحلاف دورًا سياسيًا يتجاوز المكونات التي تتنافس على امتلاك زمام تمثيل الجنوب، وفي مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي) وبالتالي يمكن أن تكون هذه المجالس والأحلاف بيرقا لتهديد الانتقالي بسحب البساط من تحت مشروعه مع تعدد الأصوات المتحدثة باسم الجنوب لكن هذه المرة مناطقيًا. بمعنى أن المسألة لا تتجاوز المناورة السياسية للضغط على الانتقالي للنزول والحوار وصولا إلى تسوية تتوافق عليها جميع الأطراف اليمنية.


يعيش الجنوب وضعًا أكثر تعقيدا، إذ أسهمت الحرب في خلط الأوراق مع تشكيل ميليشيات مناطقية، أعقبها مؤخرا تأسيس مكونات مناطقية، وقبلها كانت قد ظهرت مكونات سياسية تتحدث برامجها باسم الجنوب. في مرحلة صارت الميليشيات ممسكة بزمام بعض المحافظات؛ وصار لها كلمتها التي يقف خلفها سلاح ومال وخطط تُدار من الممول، ضمن صراع إقليمي لا يمكن تجاهل حضوره في بيئة لم تتجاوز بعد رواسب صراع قديم.



يمن ما بعد الحرب


في قراءته لهذه الإشكالية يرى الباحث السياسي اليمني، عادل دشيلة لـ«القدس العربي» أن المجلس الانتقالي الجنوبي استغل انهيار مؤسسات الدولة ودخول الدولة في صراع عسكري مباشر مع تدخل دول الجوار تحت مظلة التحالف العربي في الصراع الدائر في البلاد. وهو ما مثل فرصة استغلها الانتقالي لتأسيس جماعات مسلحة باعتراف من الدولة، وبالتالي – كما يقول- رأى الانتقالي أنه بالإمكان فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية.


وأضاف: كان الانتقالي يتوقع أنه بالإمكان التهام المحافظات الجنوبية والشرقية، وفرض الأمر الواقع، وبالتالي حينما أراد السيطرة على حضرموت عدة مرات، كانت كل محاولة تبوء بالفشل؛ لأنه لا توجد لديه الحاضنة الشعبية القوية في هذه المناطق، ولا ننسى أنه حينما أراد عقد إحدى جلسات الجمعة الوطنية التابعة له في المكلا في أيار/مايو الماضي ودخول عيدروس الزبيدي على ظهر مصفحات. فقد استفز بذلك القوة القبلية والاجتماعية والسياسية في حضرموت، وكأنه أراد أن يقول بذلك إنه بالإمكان تهميشها واسكات صوتها؛ لكنه انصدم عندما خرج عدد كبير من المكونات الحضرمية إلى السعودية، وعقدت لقاء تشاوريا لمدة شهر بدعم من السعودية، وتمخض اللقاء عن تأسيس مجلس حضرموت الوطني؛ الذي نستطيع القول إنه سحب البساط السياسي من المجلس الانتقالي.


وقال: لا يمكن للمجلس الانتقالي خلال المرحلة المقبلة أن يقدّم نفسه باعتباره الكيان السياسي الممثل للمناطق الجنوبية والشرقية، لأنه ليس سوى مكون سياسي مثل بقية المكونات الأخرى في جنوب وشرق والبلاد؛ ولهذا من الناحية السياسية الانتقالي غير قادر على أن يقدم نفسه ممثلا للجنوب، وإن كان هناك دعما ماليا وعسكريا ودبلوماسيا من قبل الراعي الإقليمي لهذا المكون العسكري.


وأشار إلى أن الصراع الإقليمي في اليمن واضح المعالم، وبالتالي السعودية دعمت مجلس حضرموت الوطني من أجل أن يخفض الانتقالي من سقف مطالبه التي لا يمكن تحقيقها في الواقع.


وقال دشيلة إنه لا يمكن التعويل على هذه المجالس المناطقية، على اعتبار أنه بالإمكان تطبيق اللامركزية الإدارية الواسعة لاستيعاب النزعات الانفصالية في الجنوب أو الجماعات المذهبية في الشمال.


وأضاف: لا يمكن عبر هذه الكيانات تفريخ المجتمع إلى كيانات قائمة على أسس مناطقية. لا أعتقد أن هذا سيشجع في المستقبل على تأسيس دولة وطنية تحتضن الجميع، وتحافظ على مصالح جميع الأطراف. وقال: من وجهة نظري أتخوف من أن هذا سيشجع على غرس النزعات المناطقية، وبالتالي لا يمكن لنا أن نعالج السيء بالأسوأ. اليمن بحاجة في مرحلة ما بعد الحرب لنوع من الحكم مختلف عن الحكم المركزي السابق وعن الفيدرالية التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني. أي أنه يحتاج إلى صيغة بين المركزية الإدارية واللامركزية السياسية، أي أنه يحتاج إلى نظام لا مركزي إداري واسع الصلاحيات، لكن وفق آلية منظمة تصدر عن الحكومة أو مجلس القيادة. المهم أن يكون هناك آلية منظمة للانتقال إلى هذا النظام خلال ما بعد الحرب، حتى تستقر الأوضاع.


وأكد: لا يمكن أن يتحقق الانفصال بهذا الشكل الذي يريده الانتقالي في الجنوب، ولا يمكن أن يتحقق المشروع المذهبي الذي يريده الحوثي في الشمال، ولكن أيضا نتخوف من أن تتحول هذه المشاريع إلى أدوات ضغط سياسية عسكرية بيد القوى المتصارعة. علينا أن ندرك على المستوى الإقليمي أن المجتمع الدولي والإقليمي لن يقبل بالانتقالي وأن تفرض المجموعات المسلحة الأمر الواقع في مناطق استراتيجية حساسة مثل باب المندب وخليج عدن. هناك مصالح دولية وإقليمية متضاربة، وليس من مصلحة الإقليم أن يذهب اليمن بيد جماعات بهذه العقلية؛ لذلك أنا أتوقع أن يتم الضغط على المجلس الانتقالي حتى يخفف من سقف مطالبه، والدخول في المستقبل في حوار سياسي مع القوى اليمنية الأخرى لإنتاج صيغة من الحكم، لكن هل ستنجح هذه الصيغة؟ لا أعرف، لا تزال الأوضاع ضبابية، لكن نأمل تحسن الوضع.


وأشار إلى أنه لا يمكن الوصول إلى تسوية متوازنة بدون اللجنة الرباعية الدولية؛ مستدركا أن «هذه اللجنة هي التي تتحكم بشؤون اليمن السياسية والاقتصادية على الأقل في الوقت الراهن، وهذه القوى لها مصالح كبيرة في اليمن».


مناورة سياسية


من وجهة نظره يرى الكاتب والمترجم اليمني، مصطفى ناجي، أن هذه المجالس والأحلاف المناطقية هي مجرد مناورة سياسية لمنع هيمنة طرف على آخر.


وقال لـ«القدس العربي»: «عملياً لا تستطيع أي محافظة إدارة نفسها ذاتياً لأسباب اقتصادية صرفة. ما حصل هو ضعف الإدارة المركزية واقتطاع الأطراف لبعض الصلاحيات الإدارية في ظل احتياجها لتدخل الحكومة المركزية ماليا. وهذه سبب تماسك الشرعية أو بقاءها على قيد الحياة ودون وقوع انفصال أو انفصالات».


وأضاف: «التوجه سيكون نحو تنازع مع السلطة المركزية لانتزاع صلاحيات في مجال الأمن ومزيد من التجنيد، لكن لا توجد قدرة على بناء حكم ذاتي. فضلا عن الافتقار لنص دستوري».


وأكد أن «هذه المجالس والأحلاف هي مناورة سياسية لمنع هيمنة طرف على آخر، وربما رد فعل على نزوع الانتقالي إلى الهيمنة بالقوة».


القدس العربي