الموت جوعاً... الأزمة الإنسانية المنسية لأطفال اليمن

"مات طفلي البالغ سبعة أشهر جائعاً، بعدما قضى نصف عمره مريضاً"، هذا ما يقوله عبده علي ناصر، والد الطفل اليمني فراس الذي توفي بسبب سوء التغذية الحاد في مستشفى بمدينة تعز (جنوب غرب) في منتصف عام 2021.


وفيما يعاني اليمن من أسوأ أزمة إنسانية في العالم بعد اندلاع الحرب عام 2015، يقول ناصر لـ"العربي الجديد": "بدأ مرض طفلي الرضيع حين كان في الشهر الخامس. وبعد شهرين انتقلنا الى مدينة تعز لعلاجه بعدما وصلت حالته إلى مرحلة خطرة من سوء التغذية الحاد، بحسب ما أبلغنا الأطباء، وتوفي بعد حوالي نصف شهر من دخوله العناية المركزة".


يضيف: "لم نعرف في البداية أنه مصاب بسوء تغذية، وكنا في قلق دائم من ارتفاع درجة حرارته، في وقت لم نستطع توفير غذاء مناسب له بسبب وضعنا المعيشي الصعب، كما لم نملك المال لعلاجه، أو حتى دفع تكلفة المواصلات لنقله إلى مستشفى".


وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 23.4 مليون شخص بينهم 12.9 مليون طفل يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، أي نحو ثلاثة أرباع عدد السكان. وتوضح أن سوء التغذية الحاد يشمل نحو 2.2 مليون طفل، علماً أن اليمن يستورد أكثر من 90 في المائة من احتياجاته الأساسية، ما جعل البلاد تدفع ثمن الحرب الروسية على أوكرانيا التي رفعت أسعار السلع المستوردة وألقت بأعباء جديدة على اليمنيين.


بدوره يعاني عمار محسن الذي يسكن في العاصمة صنعاء من صعوبة في توفير حليب لطفلته الرضيعة، ويضطر كل مرة إلى رهن هاتفة الخليوي لدى الصيدلية في انتظار توفيره المال، لكنه وصل حالياً إلى مرحلة رفض مالكي الصيدليات توفير طلبه بسبب تأخره في تسديد ديونه. ويقول لـ"العربي الجديد": "أعطي أحياناً طفلتي التي لم تتجاوز العام الواحد الزبادي بدلاً من الحليب، لكنها تظل تبكي طوال الليل، وهذا وضع قاسٍ أعيشه كأب، لكنني بلا حيلة ولا أجد حتى عملاً يؤمن المتطلبات الأساسية للأسرة".


يضيف: "في كل مرة أعمل لتأمين قيمة علبة الحليب، أفاجأ بارتفاع سعرها أو فقدانها ما يرفع سعرها مجدداً، والتجار وسلطات الحرب لا يهمهم ذلك فهم يحققون أرباحاً عبر المتاجرة بمعاناة الأطفال وأمراضهم".


وأطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في ديسمبر/ كانون الأول الماضي نداءً للعمل الإنساني من أجل أطفال اليمن. وقالت المديرة التنفيذية للمنظمة، كاثرين راسل، بعد زيارتها اليمن: "أصبحت الحياة في اليمن صراعاً للبقاء على قيد الحياة. وفقد آلاف من الأطفال حياتهم، ولا يزال مئات الآلاف معرضين لخطر الموت بسبب أمراض يمكن الوقاية منها أو بسبب سوء التغذية. وإذا كان لأطفال اليمن أي فرصة لمستقبل لائق، يجب على أطراف النزاع والمجتمع الدولي وجميع من يملكون نفوذاً ضمان حمايتهم ودعمهم".


وتتحدث "يونيسف" عن معاناة 540 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد، وافتقار أكثر من 17.8 مليون يمني بينهم 9.2 ملايين طفل إلى مياه نظيفة وخدمات الصرف الصحي".


وتورد منظمة "أطباء بلا حدود" خمسة أسباب لارتفاع معدلات سوء التغذية الحاد للأطفال في اليمن، هي تراجع القدرة على تحمل تكاليف الطعام نظراً إلى ارتفاع الأسعار، وصعوبة الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأوليّة، والفقر والظروف المعيشية غير المستقرة، وغياب التوعية الصحية المجتمعية، والفجوة في الاستجابة الإنسانية.


وتوفي 31 مريضاً كانوا قد دخلوا مستشفى في محافظة عمران (شمال) إثر إصابتهم بسوء تغذية حاد في الفترة بين يناير/ كانون الثاني وسبتمبر/ أيلول 2022. وشهدت الفترة ذاتها استقبال مستشفيين في محافظتي حجة والحديدة (غرب) 3989 طفلاً عانوا من سوء تغذية، علماً أن الفئة العمرية بين 6 أشهر و23 شهراً تعتبر الأكثر تأثراً بسوء التغذية الحاد، وفق منظمة "أطباء بلا حدود".


وتوضح المنظمة من خلال موقعها على الإنترنت أن غالبية مرافقها شهدت ارتفاعاً مقلقاً في عدد الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، ما جعل معدل إشغال الأسرّة الطبية يتجاوز مرتين القدرة الاستيعابية لمراكز العلاج.


يذكر الدكتور فتحي القدسي الطبيب المتخصص في التغذية بمستشفى في مدينة تعز، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الأسباب المشتركة في كل حالات سوء التغذية لدى أطفال اليمن هي نقص الغذاء وانعدام الأمن الغذائي لدى نسبة كبيرة من السكان، وانعدام مياه الشرب النقية وفقدان البيئة الصحية. وهناك صعوبة بالغة في الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، خاصة رعاية الأمومة والطفولة، إضافة إلى ضعف الوعي المجتمعي بالوسائل الصحيحة للعناية بالأطفال دون الخامسة من العمر، وانتشار العادات غير السليمة".


يتابع: "عالجنا خلال السنوات الماضية حالات كثيرة لسوء تغذية الأطفال ارتبطت بعدم حصول أمهاتهم على تغذية كافية في سن الإنجاب او خلال الحمل، وأيضاً بانتشار أمراض الطفولة المبكرة والإسهال، وعدم التطعيم".


وفي 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلنت منظمة "إنقاذ الطفولة" إن اليمن يحتل المرتبة الثانية في قائمة البلدان الثمانية الأكثر تضرراً بانعدام الأمن الغذائي، وأن عدد من يعانون من سوء تغذية ارتفع خلال العامين الماضيين من 3.6 ملايين إلى 6 ملايين شخص، بزيادة مقدارها 66 في المائة.


وقالت المنظمة في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني إن "الأطفال يتحملون وطأة أزمة الغذاء في اليمن لأنهم أكثر عرضة لسوء التغذية والموت بسبب أجسامهم التي تنمو، كما أن سوء التغذية يترك على الأطفال الناجين آثاراً تدوم مدى الحياة".


وأوضحت المتحدثة باسم منظمة "إنقاذ الطفولة" في اليمن شانون أوركت أن "أطفال اليمن يواجهون "خطراً ثلاثياً يتمثل في المجاعة والقنابل والأمراض، والصراع المستمر منذ ثماني سنوات والتدهور الاقتصادي الحاد يقودان إلى مخاطر الجوع الحرجة".


ويرى أكرم رشاد، وهو عامل ميداني في منظمة إغاثة باليمن، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "سوء التغذية الحاد من أخطر ما تعانيه البلاد حالياً، والمتضررون الأكبر منها هم الأطفال الذين يدفعون ثمن الحرب التي يخوضها الكبار. ويبدأ سوء التغذية في اليمن بولادة الطفل لأبوين فقيرين يتناولان وجبة أو وجبتين في اليوم لا تتضمن عناصر غذائية مكتملة، والأمهات تنجب أطفالاً وهن بلا حليب للرضاعة بسبب عدم حصولهن على غذاء كامل".


يضيف: "شراء الحليب البديل أصبح مكلفاً للغاية. يصل سعر العلبة الواحدة إلى نحو 7 دولارات وتكفي لمدة 6 أيام. وكثير من الأسر لا تستطيع توفير التكلفة أساساً، فتبدأ صحة الطفل بالتراجع وصولاً إلى ظهور أعراض سوء التغذية".


ويشير إلى "أن المعاناة تزداد في المناطق البعيدة من المراكز التي تعالج سوء التغذية، خاصة في الأرياف التي تتركز فيها جيوب المجاعة وحالات سوء التغذية الحاد. ورغم اهتمام منظمات بهذا الجانب، لكنها لا تغطي إلا جزءاً بسيطاً من الاحتياجات".


ووفق آخر إحصاءات أصدرتها الأمم المتحدة، وصل إلى 11 ألفاً عدد الضحايا الأطفال في الحرب المندلعة في اليمن منذ عام 2015، بينهم أكثر من 3700 قتيل، أي بمعدل أربع ضحايا يومياً، مع ترجيح رقم أعلى بكثير للخسائر الحقيقية للصراع.


وفيما خفضت الهدنة الأممية العام الماضي حدة الصراع، لم يمنع ذلك مقتل وإصابة أكثر من 330 طفلاً خلال العام الماضي، بمعدل طفل واحد بين قتيل ومصاب يومياً.


وبحسب "يونيسف"، لم يتلقَ نحو 28 في المائة من الأطفال دون سن السنة التطعيمات الروتينية، ويتواجد مليونا طفل خارج المدارس، وقد يرتفع هذا العدد إلى 6 ملايين لأن مدرسة واحدة على الأقل بين كل أربع مدارس تعرضت لتدمير أو لأضرار جزئية.


وتشكو منظمات الإغاثة الدولية العاملة في اليمن من نقص في تمويل برامج المساعدة. وتقول منظمة "يونيسف" إنها تحتاج إلى 484.4 مليون دولار للاستجابة إلى الأزمة الإنسانية في اليمن خلال العام الحالي.


ويرى الناشط في العمل الإنساني أحمد البعداني، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الأزمة الإنسانية في اليمن تتجاوز العجز في التمويل. وحتى إذا التزم المانحون بتقديم الدعم الذي تطلبه الأمم المتحدة لتغطية كافة عملياتها، لن تنفع هذه المعالجات. فعلياً يحتاج اليمن إلى حل سياسي شامل، وليس مهماً تنظيم مؤتمر للمانحين الدوليين هذا العام، بل إلزام جميع الأطراف بالسلام ووقف الحرب، وعلى المجتمع الدولي أن يقول يكفي اليمنيين 8 سنوات في الجحيم".


العربي الجديد