100 يوم دون إنجاز يُذكر.. مجلس الرئاسة اليمني يكافح للإيفاء بتعهداته
قبل أيام نصبت "قوات دفاع شبوة" كمينا لقائد "قوات الأمن الخاصة" في محافظة شبوة العميد عبد ربه لعكب، ووثقت كاميرات المراقبة محاولة اغتيال المسؤول الأمني الرفيع ولحسن حظه نجا وقُتل آخرون من مرافقيه.
كان الحادث الذي جرى في المحافظة الخاضعة لسيطرة المجلس الرئاسي اليمني المعترف به دوليا تذكيرا بمدى الانقسام الغائر في المعسكر المناهض للحوثيين، وحالة العداء والانتقام التي لا تزال تتربص بالمكونات المنقسمة بين عدة أطراف.
تعد قوات دفاع شبوة النسخة المحدثة من قوات النخبة الشبوانية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، والتي انسحبت من مدينة عتق مركز المحافظة قبل عامين وهي منكسرة أمام قوات الأمن الحكومية بقيادة لعكب.
أفصحت محاولة الثأر من لعكب عن عجز المجلس الرئاسي اليمني في توحيد التشكيلات الأمنية والعسكرية في مناطق سيطرته المفترضة، وذلك بعد 100 يوم من تسلمه الحكم في اليمن خلفا للرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي.
انقسام في المجلس
وفي أول خطاب له عقب تأدية اليمين الدستورية في 19 أبريل/نيسان الماضي تعهد رئيس المجلس رشاد العليمي بتوحيد المؤسستين العسكرية والأمنية لمواجهة تحديات استعادة الدولة من الحوثيين، غير أن هذا الملف الأبرز بات مشكلة في حد ذاته.
وبدت طبيعة الخلفية العسكرية لأعضاء المجلس الثمانية أمرا حاسما في عملية توحيد الفصائل العسكرية والأمنية، غير أن الأمر يسير عكس ما خُطط له حتى اللحظة، بل تسبب في شقاق بين أعضاء المجلس.
ويقود عضو المجلس عيدروس الزبيدي قوات الحزام الأمني وألوية الدعم والإسناد وألوية العاصفة وقوات دفاع شبوة، وهي تشكيلات عسكرية مولت إنشاءها الإمارات التي مولت أيضا قوات المقاومة الوطنية بقيادة عضو المجلس الرئاسي طارق صالح، وألوية العمالقة التي يقودها العضو الثالث في المجلس أبو زرعة المحرمي.
ووفق مصدر في الحكومة، فإن خلافا نشأ بين الزبيدي وصالح حول وجود قوات تابعة للأخير في العاصمة المؤقتة عدن لتأمينه، وهو ما رفضه الأول الذي تسيطر قواته على المدينة، بما فيها قصر معاشيق مقر الرئاسة.
ويقول المصدر للجزيرة نت -مفضلا عدم الكشف عن هويته- إن الخلاف تفاقم مع رفض المجلس الانتقالي إعادة دمج قواته في وزارة الدفاع.
والثلاثاء الماضي، أعلن الزبيدي أن خيار المجلس هو إنشاء دولة الجنوب، في إشارة إلى رفضه دمج قواته في وزارة الدفاع.
وتسبب الخلاف في انقسام بين المجلس، وعقب ذلك اضطر عضوا المجلس طارق صالح وسلطان العرادة للتغيب عن حضور اجتماعات المجلس احتجاجا على ما يريان أنه اصطفاف من الرئيس إلى جانب الزبيدي، وفق المصدر.
وأشار تقرير حديث لمركز أبعاد للدراسات (يمني غير حكومي) إلى أن عملية توحيد التشكيلات العسكرية في إطار وزارتي الدفاع والداخلية تحت مجلس القيادة الرئاسي هي السبيل الوحيد لتجنيب عدن والمحافظات الجنوبية والشرقية دورات عنف جديدة.
أشهر طويلة
لكن مصدرا في الرئاسة اليمنية نفى وجود خلاف بين أعضاء المجلس الرئاسي اليمني، وقال للجزيرة نت "لا خلافات حول هذا الملف بالمطلق حتى الآن".
وأشار المصدر للجزيرة نت -دون أن يفصح عن هويته كونه غير مخول بالتصريح- إن مرور 100 يوم على بدء حكم المجلس هي فترة قصيرة، وقال "أعتقد لا يوجد تأخير، لقد تم تشكيل لجنة عسكرية وأمنية بهذا الشأن، وهي الآن في عمل مستمر وقد تحتاج أشهرا لإنجاز تصورها لكيفية إنفاذ هذه العملية المتوافق عليها بموجب اتفاق الرياض".
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 تم توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية سعودية ودعم أممي قضى بدمج قوات الجيش والأمن التابعة للحكومة والمجلس الانتقالي تحت قيادة وزارتي الداخلية والدفاع بهدف حل الوضع العسكري في عدن والمناطق الأخرى التي شهدت مواجهات بين الطرفين.
ووفق المصدر في الرئاسة اليمنية، فإن ملف دمج القوات والتشكيلات والفصائل العسكرية والأمنية لا يزال في سياق إعداد التصورات التي ستشمل أيضا بشكل منفصل خطة لتوحيد أجهزة الاستخبارات وقوات مكافحة الإرهاب.
ومساء الخميس الماضي أصدر المجلس قرارا جمهوريا بتعديل وزاري في الحكومة شمل وزارة الدفاع، في خطوة ينظر لها على أنها قد تدفع باتجاه دمج كل القوات العسكرية.
ويقول رئيس مركز أبعاد للدراسات محمد عبد السلام للجزيرة نت إن 100 يوم هي فترة قصيرة بالنسبة لمعالجة وضع عسكري وشائك مثل اليمن.
استمرار الهدنة
يُبرز ملف الهدنة تحديا أمام المجلس الرئاسي اليمني الذي يسعى إلى تمديدها لأشهر، لكن خلافا للوضع الحالي الذي يمارس الحوثيون فيه خروقات عدة، من بينها رفضهم حتى اللحظة فتح المعابر من وإلى مدينة تعز المحاصرة من قبلهم منذ نهاية 2015.
ورعت الأمم المتحدة هدنة دخلت حيز التنفيذ في 2 أبريل/نيسان الماضي، ورغم هشاشتها فإنها لا تزال صامدة في الوقت الذي تدفع الولايات المتحدة لتمديدها 6 أشهر، فيما يشترط الحوثيون شروطا أخرى، من بينها دفع الحكومة اليمنية الرواتب للموظفين في مناطق سيطرة الجماعة وتسيير رحلات من مطار صنعاء إلى مناطق أخرى.
لكن المجلس الرئاسي يبدو في موقف أضعف أمام الرأي العام، إذ إن تنازلاته تقابل باشتراطات حوثية جديدة، وهو الأمر الذي دفع رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي لرفض لقاء المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ في زيارته الأخيرة إلى عدن، احتجاجا على الموقف الأممي من خروقات الحوثيين واشتراطاتهم.
بدوره، يرى الباحث عبد السلام أن المجلس بحاجة للحفاظ على الهدنة ما دام هناك انتقال سياسي للسلطة، إذ إن توقف القتال ساعد المجلس الرئاسي في التئام بعض مكوناته واستمراره بالإصلاحات الداخلية مثل الإصلاحات في الحكومة.
الاقتصاد والخدمات
صُنف الملف الاقتصادي والخدمي أولوية عاجلة أمام المجلس الرئاسي، إذ لم تشهد الخدمات تحسنا حقيقيا، واستمرت المظاهرات المطالبة بتحسين الكهرباء وصرف الرواتب للموظفين في القطاع الإداري، فيما عجزت الحكومة عن اكتشاف حل سحري لتحسين الوضع الاقتصادي المتدهور.
وعوّل المجلس الرئاسي على الدعم المالي من السعودية والإمارات المعلن عنه بأكثر من 3 مليارات دولار أميركي، والذي تم التعهد به للحكومة اليمنية، لكن البلدين اشترطا على الحكومة اليمنية تنفيذ مجموعة من الإصلاحات تشمل زيادة معدل تحصيل قيمة فواتير خدمات الكهرباء، وتحسين صيانة محطات الطاقة الكهربائية، والحد من هدر الطاقة، وتطبيق حوكمة ورقابة فعالة تستوفي المعايير لإدارة عمليات توزيع ونقل واستهلاك المشتقات النفطية.
وحتّم الوضع الإنساني المتراجع أن يطالب رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي المتظاهرين بمنحه مزيدا من الوقت لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية.
ويقول عبد السلام إن المجلس الرئاسي فشل في إدارة الملف الاقتصادي وقطاع الاتصالات رغم الثبات في قيمة العملة المحلية أمام النقد الأجنبي.
وحذر تقرير اقتصادي حديث صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (يمني غير حكومي) من أن استمرار الوضع بشكله الحالي يقود البلاد إلى مجاعة محققة، وذلك من خلال تحجيم مصادر الدخل البديلة للمواطنين، وضرب شبكات الدعم الاجتماعية، وتوفير غطاء لممارسات خارج الأطر الرسمية.