تعقيد أم انفراج.. أين يتجه اليمن سياسيا وعسكريا في 2022؟
يحل العام الجديد 2022، ويدخل معه الصراع الدائر في اليمن، منعطفات جديدة، لا تنبئ عن انفراجة في الأزمة عبر حل سياسي رغم الجهود المبذولة منذ نحو 7 سنوات.
ومع دخول العام الجديد تتضاءل فرص الحل السياسي، مع التصعيد العسكري المستمر الذي تمارسه جماعة "الحوثي"، لا سيما في محافظة مأرب (شرق) الغنية بالنفط والغاز، ومعقل الشرعية اليمنية، والتي تسعى الجماعة للسيطرة عليها.
في حين صعد التحالف العربي الذي تقوده السعودية غاراته الجوية في الآونة الأخيرة دعماً للقوات الحكومية.
ويجول مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ، منذ تعيينه في أغسطس/ آب الماضي، بين عواصم إقليمية، بغرض التقريب بين الحكومة اليمنية والحوثيين للوصول إلى حل سياسي، بالتوازي مع جولات مبعوث الإدارة الأمريكية تيم ليندركينغ، الذي تعين مطلع العام.
ولم تحقق هذه الجولات أي مؤشر لقرب إنهاء الحرب، مع تصاعد أعداد النزوح التي تقول الحكومة اليمنية إنها تجاوزت 4 ملايين نازح.
ويلعب الوضع الاقتصادي الصعب وانهيار العملة الذي تواجهه اليمن عاملاً مهماً في تأثيرات الصراع، والانقسام الاقتصادي بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الخلافات الكبيرة في جبهة الشرعية، في ظل سيطرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا على عدن ومناطق أخرى جنوب اليمن، ودور الامارات في ذلك.
وتتشابك تعقيدات النزاع الدائر في اليمن، مع الصراع في المنطقة، خصوصاً في ظل ما يتم الحديث عنه من حوارات بين الرياض وطهران من جهة، كما يفترض أن تتأثر مع المصالحة الخليجية.
ويعتقد كثيرون أن الرباعية الدولية التي تمتلك التأثير في اليمن (السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا) إضافة إلى إيران المتهمة بدعم الحوثيين، هي من تمتلك مفاتيح الحل السياسي والعسكري معاً.
ومع قرب اكتمال العام السابع للحرب في اليمن، يبدو المشهد في اليمن مع حلول 2022 أشد تعقيداً، عما كان العام 2021 حافلاً بالأحداث التي جعلت التوصل إلى حل سياسي أكثر صعوبة أمام المبعوث الدولي الرابع، مع بصيص أمل في أن تؤدي الضغوط الدولية إلى إيقاف نزيف الدم أو الحد منه؛ لحسابات عديدة.
ترحيل الأزمات
يسرد الباحث والكاتب اليمني ياسين التميمي خلال حديثه للأناضول، مؤشرات تنبئ بأن الأزمة والحرب في اليمن سيُرحَّلان بكل أثقالهما السيئة على المستويات السياسية والعسكرية والإنسانية إلى العام 2022.
ويعتقد أن "أهم مؤشر هو استمرار وتيرة الحرب، البرية والجوية وعدم يأس الحوثيين من تحقيق هدف إسقاط مأرب، وعدم رغبتهم أصلاً في الذهاب إلى التسوية السياسية دون ضغط عسكري حقيقي عليهم".
ويقول التميمي إنه "لا يبدو أن ذلك متاحاً في الوقت الراهن بالنظر إلى استمرار سياسة الدعم العسكري المنقوص التي ينتهجها التحالف تجاه الشريك اليمني متمثلاً في الشرعية وجيشها الوطني".
ويؤكد أن من مؤشرات ترحيل الأزمة "استمرار النهج السيئ الهادف إلى تسوية الملعب السياسي في المحافظات الجنوبية لصالح الخط المنهاض لليمن الاتحادي، والرغبة في تهيئة الأسباب السياسية والاجتماعية الكافية لتفكيك اليمن بناء على سردية القضية الجنوبية، والإصرار على الدفع بهذه القضية إلى مستوى الانفصال".
وتعود بداية القضية الجنوبية إلى العام 2007 حين شهدت محافظات جنوبية احتجاجات للمطالبة بحقوق الضباط المتقاعدين قسراً بعد حرب صيف 1994، وقضايا الأراضي.
ويحرص المجلس الانتقالي أن يحصر القضية في مشروع الانفصال الذي يتبناه وتدعمه الامارات، بينما هناك فصائل جنوبية ترى أنها قضية حقوقية سياسية تم معالجتها من خلال مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وأبرزها التوزيع العادل للسلطة والثروة، ومعالجة قضايا المتقاعدين والأراضي، وجاء اتفاق الرياض ليؤكد المناصفة في الحكومة بين الشمال والجنوب بمختلف قواه السياسية.
ويشير التميمي إلى احتدام المعارك في محيط مأرب وجبهات أخرى، مع تنامي وتيرة الخصومة بين الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، ويقول إنها ليست مجهولة المصير بالنسبة إلى التحالف الذي يتحكم بكل خيوط الحرب.
ويذهب إلى أن الحوثيين لا يمتلكون القوة الكافية لتحقيق نصرٍ يغيرُ مجرى الحرب، على الرغم من تمسكهم بخيار المواجهة العسكرية حتى النهاية تأسيساً على سياسة لا تكترث أصلاً بالخسائر التي تلحقها الحرب باليمنيين.
نهاية دراماتيكية
ويستطرد قائلاً: "إذا كان هناك من تغيير متوقع خلال العام المقبل 2022، في مجرى الحرب فإنه لن يكون مرهوناً باستخدام القوة العسكرية بقدر ما سيكون مرتهناً لاعتبارات أخرى".
وأهم هذه الاعتبارات بحسبه "الضغوط التي تمارسها واشنطن باتجاه حسم الحرب، وإنهاء تداعياتها الإنسانية، وإعادة تبني سياسة المقايضة الإقليمية التي تتبعها الإدارة الديمقراطية، تأسيساً على رغبتها في منح إيران مجدداً فرصة لممارسة نفوذ إقليمي مقابل تنازلات تخص برنامجها النووي".
ولا يستبعد التميمي أن تكون هناك نهاية دراماتيكية للحرب من خارج المنظومة السياسية اليمنية، "محركها الأساسي حاجة السعودية إلى إنجاز نهاية مناسبة للنزاع تحررها من ارتدادات هذه المعركة على المملكة وعلى الطموحات السياسية لولي العهد محمد بن سلمان الذي لا يزال يواجه صعوبة في استعادة نفوذه الدولي وهي حاجة ملحة مرتبطة بمخططات الانتقال الرأسي للسلطة في المملكة لأول مرة في تاريخها".
كما يعتقد أن ثمة توجه إماراتي للدفع بالحرب إلى نهايتها في اليمن رغبة منها في إنهائها على وضعية مهترئة في الجغرافية السياسية اليمنية، وفي تصفير المشكلات الناتجة عن انخراطها في هذه الحرب والتخلص من تبعاتها على الاقتصاد الإماراتي.
أكثر تعقيداً
يذهب الصحفي اليمني علي الفقيه، إلى أن الأوضاع في اليمن تتجه نحو مزيد من التعقيد، مع ما تشهد من تصعيد عسكري سينتج عنه المزيد من القتلى العسكريين والضحايا المدنيين، وبذلك فإن الوضع السياسي يزداد تعقيداً وتتضاءل فرص الحل السياسي.
ويعتقد في حديثه للأناضول أن "2022 سيكون أسوأ سياسياً، متوقعاً أن تمنى جهود المبعوث الأممي بالفشل الكامل مثل سابقيه الذين قال إنهم ظلوا يدورون في حلقة مفرغة مدللاً بذلك على أول إحاطة قدمها المبعوث الأممي الجديد لمجلس الأمن الأسبوع قبل الماضي".
ويرى الفقيه أنه "لا حل يلوح في الأفق ولا استعداد لدى الأطراف المتحاربة للجلوس على طاولة الحوار؛ إذ كلما قويت الشوكة العسكرية لجماعة لحوثي المدعومة إيرانياً، كلما تضاءلت فرص التوصل إلى حل سلمي، لأنه يعزز نزعة التعنت لديهم حيث يمنحهم الشعور بأن ما لم يسلب منهم بالقوة فلن يتنازلوا عنه بالحلول السلمية".
ويعيد جزء من الأسباب إلى "انحراف مسار التحالف الذي تقوده السعودية والذي تدخل لمساندة الحكومة الشرعية وقال إنه أسهم في تدهور المشهد وتسبب في فكفكة وإضعاف الشرعية التي باتت عدة كتل متصارعة، بينما يحافظ الحوثيون على كتلتهم موحدة" وفق قوله.
معادلات صعبة
ويشير الفقيه إلى "تراجع الأداء العسكري للتحالف الذي لا يثق كثيراً في حلفائه على الأرض ويفضل إنشاء مليشيات مسلحة يتفاهم معها ويديرها بشكل مباشر بعيداً عن مؤسسات الدولة المختصة".
ويلفت إلى "افتقاد الجيش التابع للحكومة الشرعية للسلاح النوعي وللذخائر الكافية لإحداث فارق في سير المعارك وعدم صرف مرتبات الجيش، فخسر مساحات كان يسيطر عليها خلال العامين الماضيين"، محذراً من استمرار هذا الوضع الذي قد يؤدي إلى خسران المزيد من مناطق سيطرته خلال العام القادم.
ورجح الصحفي الفقيه أن "مأرب هي المعادلة الأكثر صعوبة؛ إذ تمثل آخر نقاط الاستعصاء لجيش الحكومة الشرعية".
ويضيف: "وفي حال خسرت الحكومة السيطرة عليها فإن ذلك سيمهد الطريق لسيطرة مليشيا الحوثي وهو ما يعني الانتقال إلى طور آخر من أطوار الحرب التي قد تذهب باتجاه حرب منسية طويلة المدى وقد يدفع ذلك باتجاه تمزق البلد في ظل وجود قوى محلية متحفزة لذلك ومدعومة من أطراف إقليمية".
وفي كل مناسبة تؤكد الحكومة اليمنية أن الحوثيين غير راغبين في الذهاب إلى السلام، إضافة إلى اتهام إيران بالضغط على الحوثيين للاستمرار في الحرب كورقة في الملف النووي الذي يجري التفاوض فيه مع القوى الكبرى، ولا يكترثون للوضع المتدهور في البلاد وتزايد أعداد الضحايا، بينما يشترط الحوثيون خروج التحالف العربي من المشهد.
وفي الآونة الأخيرة ظهرت شخصيات وازنة في الشرعية اليمنية "أحمد بن دغر وعبدالعزيز جباري" دعت لتشكيل تحالف إنقاذ وطني، والذهاب إلى حوار وطني برعاية أممية ينهي الحرب ويحفظ الجمهورية والوحدة، وكانت له أصداء كبيرة بين القبول والرفض والتحفظ.