عقبات أمام "غروندبرغ".. لا مرور إلا بدعم دولي جاد (تقرير)
في 6 أغسطس/ آب الجاري، عَيَّنَ أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، السويدي هانز غروندبرغ، مبعوثا خاصا إلى اليمن، خلفا للبريطاني مارتن غريفيث، الذي لم يفلح طيلة ثلاث سنوات في إنهاء النزاع في البلد الفقير.
ويواجه غروندبرغ عقبات كثيرة داخل اليمن وخارجه على طريقه المأمول لإنهاء نزاع متشابك محليا وإقليميا في بلد يعاني أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.
ومنذ عام 2019، كان غروندبرغ يشغل منصب سفير الاتحاد الأوروبي في اليمن، وهو يتمتع بخبرة تزيد عن 20 عاما في الشؤون الدولية، بينها أكثر من 15 عاما في مجال حلّ النزاعات والتفاوض والوساطة، وفق الأمم المتحدة.
وغروندبرغ هو المبعوث الأممي الرابع في اليمن منذ بدء النزاع قبل نحو 7 سنوات، بعد غريفيث، والموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والمغربي جمال بنعمر.
وبالرغم من ترحيب الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الحوثي بالمبعوث الأممي الجديد، إلا أنهما استمرتا في التمسك بمواقفهما إزاء شروط تحقيق السلام.
وحتى اليوم، عقد غروندبرغ لقاء واحدا، عبر اتصال مرئي، مع رئيس الحكومة، معين عبدالملك، بينما لم يعقد بعد أي لقاء مع الحوثيين.
ومنذ تعيين غروندبرغ، جددت الحكومة، أكثر من مرة، تأكيدها على ضرورة أن تكون أي مفاوضات مقبلة مستندة إلى المرجعيات الثلاث.
وهذه المرجعيات هي المبادرة الخليجية (2011)، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني (2013-2014)، وقرارات مجلس الأمن الدولي، وخاصة القرار رقم 2216 لعام 2015.
ويطالب هذا القرار الحوثيين بالكف عن استخدام العنف وسحب قواتهم من المناطق التي استولوا عليها، بما فيها العاصمة صنعاء (شمال)، والتخلي عن الأسلحة التي استولوا عليها من المؤسسات العسكرية والأمنية، والتوقف عن الأعمال التي تندرج ضمن نطاق صلاحيات الحكومة الشرعية، والامتناع عن أي تهديد أو استفزاز للدول المجاورة.
وبشدة، يرفض الحوثيون هذه المرجعيات، ويطالبون بإلغاء القرارات الأممية، كما يرفضون التفاوض إلا بعد وقف الغارات والحصار من جانب التحالف العربي، بقيادة الجارة السعودية.
ومنذ عام 2015، ينفذ هذا التحالف عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات بقوة السلاح، منذ 2014.
وفي إشارة إلى عدم تفاؤل الحوثيين بنجاح المبعوث الجديد، قال جلال الرويشان، نائب رئيس فريق التفاوض التابع للجماعة، إن "غروندبرغ مثل من سبقوه من الموظفين الأمميين، ولن يغير في المشهد شيئا".
وأضاف الرويشان، في تصريح أوردته قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين قبل أسبوع، أن "الأمم المتحدة وموظفوها يخضعون لقرارات مجلس الأمن، التي تخضع لقرارات الدول دائمة العضوية وتراعي مصالحها مع الراعي الأمريكي".
وضمن التباين الكبير في وجهات النظر بين طرفي النزاع، تتمسك الحكومة بوقف شامل لإطلاق النار في عموم البلاد، تمهيدا لمعالجة الملف الإنساني وحل شامل للأزمة.
بينما يصر الحوثيون على ضرورة معالجة الوضع الإنساني وفتح مطار صنعاء وإدخال الوقود من دون شروط، قبيل الدخول في مسألة وقف إطلاق النار.
وأودت الحرب بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
وبدأ غروندبرغ مهامه في وقت استمرت فيه المواجهات بين القوات الحكومية والحوثيين في جبهات عديدة، لاسيما في محافظة مأرب (وسط).
كما واصل الحوثيون، خلال الأيام الماضية، شن هجمات على السعودية بصواريخ باليسيتة وطائرات مسيرة مفخخة، أعلن التحالف عن تدميرها.
لا سلام ولا حسم
وقال عبد الناصر المودع، محلل سياسي، للأناضول، إن "الحرب في اليمن تراوح مكانها، ولا يبدو في الأفق أي ملامح لسلام أو حسم عسكري لهذا الطرف أو ذاك".
وأضاف أن "أطراف الصراع الداخلية والخارجية أصبحت متكيفة مع الوضع الحالي، وكل ما يحدث هو محاولة من هذه الأطراف للحفاظ على وضعها أو السيطرة على مناطق محددة، كما هو الحال مع محاولات الحوثيين السيطرة على مأرب وإصرار الأطراف الأخرى على منعهم".
ورجح أن "جهود المبعوث الدولي ستتعامل مع هذا الوضع، ومن ثم ليس هناك من توقع لحدوث نجاح لغروندبرغ لا في قضية السلام ولا في القضايا الثانوية، كقضية الأسرى ومطار صنعاء وميناء الحديدة (غرب) وغيرها من القضايا؛ لأن استراتيجية أطراف الصراع تقوم على ربط جميع القضايا لبعضها".
وشدد على أنه "من دون حدوث تطورات داخلية أو خارجية كبيرة تغير موازين القوى، سيبقى اليمن في حالة حرب يسيطر عليها اللاعبون الخارجيون"، في إشارة إلى السعودية وإيران.
جدية القوى الدولية
ووفق محمد الشبيري، محلل سياسي، فإن "نجاح أو فشل أي مبعوث أممي يعتمد على مدى جدية القوى الدولية تجاه الحلول لأي قضايا عالقة في المنطقة".
وتابع الشبيري للأناضول أن "الحديث عن نجاح أو فشل شخص بعينه هو تحميله (المبعوث الأممي الجديد) ما لا يحتمل، لأنه يمثل جهة اعتبارية هي الأمم المتحدة، التي ما يزال موقفها، ومعها قوى دولية كبرى نافذة، ضبابيا من الحل في اليمن".
ورأى أن قضية اليمن "تتطلب إرادة دولية صلبة، وانحيازا حقيقيا وفعالا إلى جانب الشعب اليمني وحكومته، بصرف النظر عن رداءة الحكومة، ضد كل القوى المتمردة شمالا وجنوبا".
وختم الشبيري بأن هذا الموقف المأمول "يعد واجبا أخلاقيا، على الأقل للإيفاء بالوعود التي قطعوها على أنفسهم (الفاعلون الدوليون)، ووردت صريحة في القرارات الأممية، لكن ما تزال بعيدة عن واقع ممارسات من وضعوها".
وبجانب الحرب بين القوات الحكومية والحوثيين، يشهد اليمن أيضا صراعا بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، الذي يسيطر مسلحوه على مناطق واسعة، ويدعو إلى انفصال جنوبي اليمن عن شماله.