رحلة بائسة.. البحث عن مسكن في اليمن

بات الحصول على مسكن في اليمن مسألة معقدة للغاية يعاني منها معظم السكان، الذين يشكون من ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل غير مسبوق؛ جراء تداعيات حرب مستمرة منذ نحو سبعة أعوام.


وأدى الصراع المتواصل إلى دمار هائل في الكثير من المساكن، في وقت غابت فيه المشاريع السكنية بسبب توقف التنمية جراء الحرب بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة الحوثي، المسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.


كما تأتي أزمة الإيجارات في وقت يتراجع فيه "الريال" اليمني بوتيرة غير مسبوقة، حيث وصل سعر صرف الدولار الواحد إلى أكثر من ألف ريال مؤخرا، ما أدى تلقائيا إلى ارتفاع جميع الأسعار.


وقبل اشتعال الحرب، عام 2015، كان الدولار الواحد يباع بـ215 ريالا، لكن تداعيات الصراع ألقت بانعكاساتها السلبية على القطاعات كافة، بما في ذلك العملة المحلية.


وتزامن انهيار العملة اليمنية مع ارتفاع مستويات التضخم، وانكماش حاد في متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الحالية إلى نحو 60.6 بالمئة.


والثلاثاء، أعلن البنك الدولي أن نحو 70 بالمئة من اليمنيين يواجهون خطر الجوع، في وقت انخفض فيه إجمالي الناتج المحلي للبلاد بواقع النصف منذ عام 2015.




هم ثقيل


محمد الحمادي، أحد المواطنين في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، قال لمراسل الأناضول إن "الحصول على شقة بات أمرا مزعجا ومكلفا، وهما ثقيلا لدى الكثير من السكان، سواء في تعز أو في المحافظات الأخرى".


وأضاف: "بحثت لفترة طويلة عن سكن في مدينة تعز، ووجدت بعد أشهر شقة بعيدة عن وسط المدينة، بعد جهد طويل أنفقت فيه مبالغ كبيرة لمن يدلوني على أماكن الشقق السكنية".


وتابع: "ذهبت إلى كثير من الوسطاء، الذي يدلون الناس على الشقق والذين يسمون بـ"الدلالين"، وانتقلت معهم من مكان إلى آخر، لكني لم أحصل على شقة بالسهولة، بسبب غلاء الإيجارات وعدم جودة الكثير منها".


ووفق مراسل الأناضول، تتراوح أسعار إيجارات الشقق المكونة من ثلاث غرف، في المدن الكبيرة مثل صنعاء وتعز وعدن ومأرب، بين 60 ألف ريال و270 ألف ريال.


وأردف الحمادي: "ارتفعت أسعار الإيجارات إلى الضعف وأكثر منذ بدء الحرب، فيما دخل المواطن البسيط استمر على ما هو عليه، ما جعل الكثير من إنفاقنا يذهب إلى الإيجارات".


وأفاد بوجود "إقبال شديد على الشقق السكنية من قبل السكان، فيما المعروض قليل جدا، ما جعل أصحاب البيوت يضعون العديد من الشروط على المستأجرين".


وأوضح: "هنا في تعز، تتوفر بعض الشقق، لكن المؤجرين يضعون شروطا معقدة، مثل دفع إيجار سنة كاملة أو نصف عام، مع ضرورة الحصول على ضمانة تجارية، ما يجعل الحصول على سكن مسألة مكلفة ماديا ونفسيا".


‎والضمانة التجارية يُقصد بها تاجر يضمن المستأجر، بحيث يكون التاجر هو المسؤول عن أي ضرر يلحق بالمسكن أو أي إخلال من المستأجر بالتزاماته.‎


فيما قال المواطن عارف الشرعبي: "حصلت على شقة صغيرة مكونة من غرفتين، بعد بحث طويل في مدينة تعز".


وأضاف الشرعبي للأناضول: "لا يوجد أي رحمة من قبل المؤجرين، فيما حالة الناس أصبحت صعبة للغاية".


وزاد بأن "الكثير من المؤجرين يعتمدون في حياتهم فقط على دخل الإيجارات، ما يجعلهم يرفعون أسعارها بسبب ضعف العملة، ويقارنون المبلغ الذين يحصلون عليه حاليا بما يوازيه بالدولار قبل الحرب".


وأردف: "الوضع كله نار.. أسعار مشتعلة وإيجارات في ارتفاع دائم، ونحن فقط نكافح في سبيل العيش بأقل الإمكانيات المتاحة".




تفاقم الوضع الإنساني


أمل منصور، صحفية يمنية متخصصة بالشؤون الإنسانية، قالت للأناضول إن "ارتفاع الإيجارات في اليمن وقلة المعروض من الشقق السكنية أديا إلى خلق أزمة واسعة في السكن بالكثير من مناطق البلاد".


وأضافت أن "هذا الوضع أدى إلى تفاقم الجانب الإنساني في البلاد، فالكثير من السكان قد ينفقون نصف دخلهم في الإيجارات المرتفعة، ويتركون أشياء أساسية في سبيل توفير مبلغ السكن".


وأفادت بأن" الكثير من الأسر اليمنية، خصوصا النازحة، باتت تعيش في مخيمات أو في عشش هشة مبنية من سعف النخيل، نتيجة عدم القدرة على استئجار شقة سكنية".


وتابعت: "هناك أسر مكونة من خمسة إلى عشرة أفراد تعيش في غرفة واحدة تسمى في اليمن "دكانا"؛ نتيجة عدم قدرتها على تحمل إيجار شقة".


وأفادت بأن "هذا الوضع البائس يستمر في التفاقم، بسبب عدم وجود أي تدخلات حكومية أو قرارات تنظم العلاقة بين المستأجر والمؤجر، أو سن قوانين تحدد أسعار (إيجارات) الشقق السكنية، بما يتوافق مع الوضع الإنساني الأسوأ عالميا".


ووفق الأمم المتحدة، أودت الحرب بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم.


ولهذا النزاع امتدادات إقليمية، فمنذ مارس/ آذار 2015، ينفذ تحالف عربي، بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران.


الأناضول