ما الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه من الصراع في اليمن؟

في تحليل نشره مركز "كارنيغي بوليتيكا" يستعرض الباحث رسلان سليمانوف أبعاد التحرك الروسي المتزايد في الملف اليمني، وتحديدًا انفتاح موسكو المتسارع على جماعة الحوثي.

التقرير يُفكك دوافع الكرملين، ويبحث في طبيعة العلاقات العسكرية والسياسية المستجدة، متسائلًا: هل تبحث روسيا عن تسوية فعلية في اليمن، أم أنها تستخدم الحوثيين كورقة ضغط استراتيجية في صراعها الأوسع مع الغرب؟

ماذا تريد روسيا؟

كثّفت موسكو في الآونة الأخيرة اتصالاتها بجماعة الحوثي في اليمن، ما أثار آمالًا لدى البعض بأنها قد تستخدم نفوذها للمساعدة في التوصل إلى تسوية للصراع المستمر هناك. إلا أن الواقع يشير إلى أن الكرملين لا يبدو مستعدًا أو قادرًا حتى الآن على كبح جماح الحوثيين.

في الأسبوع الماضي، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات في موسكو مع نظيره اليمني، رشاد العليمي. الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا تأمل بالحصول على مساعدات غذائية واقتصادية من روسيا، وربما تراهن أيضًا على تدخل موسكو للضغط على الحوثيين لتحسين الأوضاع في البلاد الغارقة بالحرب.

تشهد اليمن منذ أكثر من عقد حربًا أهلية شرسة فاقمتها التدخلات الخارجية. فإيران، على سبيل المثال، تقدم منذ سنوات دعمًا للحركة الحوثية التي تسيطر على نحو ثلث أراضي البلاد شمالًا، بما في ذلك العاصمة صنعاء.

في المقابل، تحظى الحكومة اليمنية، الممثلة بمجلس القيادة الرئاسي بقيادة العليمي، بدعم السعودية، التي أطلقت مع حلفائها تدخلًا عسكريًا مباشرًا ضد الحوثيين في مارس 2015. لكن تلك الحملة، التي كان من المفترض أن تستمر لأسابيع، امتدت لسنوات دون تحقيق نتائج حاسمة.

وفي أبريل 2022، اضطرت الرياض إلى قبول هدنة وُصفت بالمهينة مع الحوثيين، مع احتفاظها باهتمامها بالشأن اليمني، فيما يقيم المسؤولون اليمنيون الرسميون في العاصمة السعودية معظم الوقت.

ويبرز طرف ثالث في هذا الصراع، هو المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، والذي يدعو لانفصال الجنوب ضمن حدود جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي كانت قائمة بين 1967 و1990. وتخضع مناطق من بينها عدن، العاصمة المؤقتة وميناء البلاد الرئيسي، لسيطرة المجلس الجنوبي.

سنوات الحرب دفعت اليمن إلى حافة الانهيار الإنساني، حيث يواجه نحو نصف السكان البالغ عددهم 34 مليونًا نقصًا حادًا في الغذاء، في حين تراجع الناتج المحلي الإجمالي للفرد إلى أقل من نصف مستواه في 2015.

وتفاقم الوضع بعد أن بدأ الحوثيون في خريف 2023 شن هجمات على السفن في البحر الأحمر، ما دفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى الرد بقصف الأراضي اليمنية.

وأدى ذلك إلى توقف شبه كامل لصادرات النفط عبر ميناء عدن، فانخفضت إيرادات الحكومة اليمنية بنسبة 42% في النصف الأول من عام 2024 فقط. وباتت البلاد تعتمد على مساعدات دولية، من بينها المأمولة من روسيا.

ورغم أن موسكو لا تسارع إلى تقديم مساعدات إنسانية، إلا أنها منفتحة على التعاون في بعض المجالات، أبرزها استكشاف حقول النفط اليمنية، كما تسعى لتوسيع التعاون الثنائي في قطاعي الطاقة والوقود، وهو ما جرى الاتفاق عليه مؤخرًا بين نائب وزير الطاقة الروسي رومان مارشافين وسفير اليمن في موسكو أحمد الوحيشي.

وتُعد اليمن أيضًا من أكبر مستوردي الحبوب الروسية، حيث استوردت نحو مليوني طن العام الماضي. ومن المقرر أن يُعقد هذا العام أول اجتماع للجنة الحكومية الروسية–اليمنية المشتركة. غير أن الملف الأبرز في العلاقات بين البلدين يبقى انخراط موسكو المحتمل في تسوية النزاع اليمني.

لطالما تعاملت روسيا مع الملف اليمني بفتور، ولم تنحَز رسميًا لأي طرف. ولا تزال تصر على موقفها "المتوازن"، حيث تلتقي ممثلين عن الحكومة والحوثيين والانفصاليين الجنوبيين على حد سواء.

لكن منذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، باتت موسكو تنظر باهتمام أكبر إلى الحوثيين، نظرًا لأيديولوجيتهم المعادية للغرب وهجماتهم على السفن الغربية، وهو ما فتح باب التعاون العسكري.

فبحسب تقارير أممية، يتواجد مستشارون عسكريون روس من الاستخبارات العسكرية (GRU) في صنعاء، وهناك محاولات متزايدة لتهريب أسلحة إلى اليمن تتشابه مواصفاتها مع الأسلحة الروسية.

وفي خريف العام الماضي، كُشف عن مفاوضات روسية–حوثية (عبر وساطة إيرانية) حول تزويد الحوثيين بصواريخ "ياخونت" المضادة للسفن (المعروفة أيضًا بـ"بي-800 أونيكس").

ومن أبرز الشخصيات المشاركة في هذه المحادثات، فيكتور بوت، الذي أُدين سابقًا في الولايات المتحدة بتهريب السلاح وقضى سنوات في السجن قبل الإفراج عنه في صفقة تبادل أسرى عام 2022.

وتبدو جماعة الحوثي مفيدة للكرملين في ظل انشغال الغرب بها، مما يخفف الضغط عن موسكو في الملف الأوكراني. ويبدو أن الحوثيين يتمتعون في الوقت الراهن بفرص متقدمة على خصومهم، لا سيما بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة التي زادت من شعبيتهم.

ويُرجح أن موسكو تقدم لهم دعمًا استخباراتيًا، وربما بيانات فضائية تُستخدم في استهداف الأراضي الإسرائيلية.

في المقابل، يُبدي الحوثيون دعمًا واضحًا لروسيا، ويشاركونها خطابها المعادي للغرب، ويزعمون أن الحرب في أوكرانيا هي نتيجة للسياسات الأميركية. وفي صيف 2024، تورطت موسكو مع الحوثيين في خداع مئات اليمنيين وإرسالهم للقتال في أوكرانيا.

ورغم نفي موسكو الرسمي لأي دعم عسكري مباشر للحوثيين، إلا أنها، إلى جانب إيران، تُعد من الدول القليلة التي تتعامل مع الجماعة دبلوماسيًا. وتؤكد قيادات الحوثيين وجود "مصالح مشتركة" مع روسيا في الشرق الأوسط، فيما تدعو موسكو واشنطن إلى إعادة النظر في تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية.

هذا التقارب الروسي–الحوثي يدفع الأطراف اليمنية الأخرى إلى محاولة بناء قنوات تواصل مع موسكو. فإلى جانب زيارة العليمي الأخيرة، التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بالسفير الوحيشي أربع مرات منذ بداية العام، في دلالة على رهان الحكومة اليمنية على دور روسي محتمل في كبح الحوثيين.

لكن الحقيقة أن تلك الآمال قد تكون في غير محلها، إذ لا يبدو أن روسيا مستعدة لتكريس مواردها – المستنزفة أصلاً في أوكرانيا – لتسوية الحرب في اليمن. بل إن استمرار الحوثيين في تعطيل نحو 12% من التجارة العالمية يصب في مصلحة الكرملين، الذي يستغل التوترات لتشتيت خصومه الغربيين.

وبعد سقوط نظام بشار الأسد العام الماضي، لم يتبقَّ لموسكو سوى حلفاء قلائل في الشرق الأوسط، ولن تُغامر بخسارتهم من أجل الاستقرار الدولي ".

ترجمة: يمن شباب نت