تداعيات سقوط الأسد على الحوثيين: قلق على مصير "المحور"

لا تقتصر تداعيات انهيار نظام بشار الأسد السريع على سورية، بل من المتوقع أن يكون لعملية سقوط الأسد تداعيات على مستوى المنطقة كلها، خصوصاً على المحور الإيراني والموالين له، ومنهم الحوثيون في اليمن، بعد تسريبات إسرائيلية عن تفكير الاحتلال بشن هجوم كبير على الحوثيين.

وبدا تعامل قيادات الحوثيين مع حدث سقوط الأسد حذراً من خلال تحاشي التعليق الصريح على ما حصل. بل إن بعض قيادات الجماعة لمحوا إلى خلافهم مع بشار الأسد، كما قال القيادي الحوثي حسين العزي في إحدى تغريداته في منصة إكس حيث قال، أول من أمس: "لقد أكدنا أن ما يجري يخدم صهيون مباشرة، واقترحنا منح صنعاء دور الوسيط، لكنهم ظنونا قلقين على بشار مع أن الجميع يدرك اختلافنا معه". وكان نظام الأسد من أوائل الداعمين لانقلاب جماعة الحوثيين على الدولة اليمنية، حيث قام بتسليم السفارة اليمنية في دمشق للجماعة، واستقبل سفيرها معترفاً بها سلطةً حاكمة. كما أن التعاون العسكري بين الطرفين ظل قائماً من خلال تبادل الخبرات.

وأكدت وسائل إعلام عبرية أن دولة الاحتلال الإسرائيلي تدرس شن هجوم كبير على اليمن، رداً على إطلاق صواريخ ومسيّرات من قبل الحوثيين باتجاهها. وأفادت قناة كان 11 العبرية، ليلة الأحد الماضي، نقلاً عن مسؤول إسرائيلي كبير لم تسمّه، أن جيش الاحتلال يدرس توجيه ضربة أقوى من سابقاتها لليمن. وتعتقد المؤسسة الأمنية والعسكرية، أنه بخلاف "المليشيات" في العراق التي قلّصت هجماتها على إسرائيل في الأسبوع الأخير، وعلى الرغم من الضربات العينية التي ينفّذها التحالف بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا في اليمن، فإن الحوثيين يواصلون إطلاق الصواريخ، وعليه يجب تمرير "رسالة مؤلمة أكثر"، إضافة إلى الهجمات الإسرائيلية على اليمن في الأشهر الأخيرة.

انفجار مسيّرة من اليمن بمبنى في يافنيه جنوب تل أبيب، 9 ديسمبر 2024 (أحمد غرابلي/فرانس برس)

سقوط الأسد زاد من قلق الحوثيين

إضافة إلى سقوط الأسد، فإن عوامل كثيرة تساهم في زيادة حالة القلق والتوجس لدى جماعة الحوثيين. فما يسمى بمحور المقاومة تعرض لضربات كبيرة في لبنان وسورية، كما أن إيران هي الأخرى تعرضت لضربات إسرائيلية مع احتمال تعرضها لضربات أخرى، وهذا قد يؤثر على الدعم الذي تقدمه للجماعات والمليشيات الموالية لها في المنطقة العربية. وما يضاعف من قلق الحوثيين هو التغير في الموقف الأميركي المطالب بوضع حد للهجمات التي تشنها جماعة الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، في رسالة إلى الكونغرس الجمعة الماضي، إن الهجمات من اليمن شكلت تهديداً لسلامة القوات الأميركية والسفن التجارية وأطقمها، وحقوق وحريات الملاحة، وإنها قد تزيد من زعزعة استقرار المنطقة وتهدد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.

رأى الباحث السياسي اليمني عدنان هاشم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن سقوط الأسد وما يحدث في سورية يكتب نهاية لما يسمى محور المقاومة، وإذا لم يكن كذلك فهو ضربة استراتيجية جديدة لهذا المحور، والحوثيون هم جزء من هذا المحور، ومن المفترض أن يثير ذلك قلق الجماعة، ويعيد تفكيرها بشأن كثير من القضايا، من بينها اليد الممدودة من أجل السلام اليوم، والتي ربما لن تكون كذلك في المستقبل.

وأشار الباحث السياسي إلى أن نظام الأسد في الفترة الأخيرة لم يكن على علاقة كبيرة تربطه بالحوثيين، وكان يبدو أنه اعترف بالحكومة الشرعية وطرد عبدالله صبري (السفير المعين من جماعة الحوثيين في دمشق) والسفارة والملحقين الأمنيين التابعين للجماعة من دمشق، رغم أنه أول من اعترف بهم وقدم لهم استشارات أمنية وعسكرية. وتوقع أن الحوثيين سيتضررون من سقوط الأسد "فهم جزء من محور المقاومة، وإيران تعيد حساباتها بشأن المحور، ومعظم أعضاء المحور يعيدون تقييم ارتباطهم بإيران. لكن السؤال: هل هناك جهة قادرة تستفيد من هذه الظروف؟".

من جهته، رأى الصحافي اليمني سلمان المقرمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المنطقة العربية مرتبطة لا تنفصل عن بعضها في مناسبات عدة، خصوصاً التي تشهد تحوّلات جيوسياسية، مثل سقوط الأسد وانتصار الثورة في سورية، مشيراً إلى أن تدخّل إيران في سورية لصالح الأسد وحمايتها للنظام أدى، ضمن عوامل أخرى، إلى اقتحام الحوثيين صنعاء في الوقت نفسه. وأضاف: نجم عن سقوط حلب في 2016 وما تلاها من محافظات ومدن حتى ريف حلب الغربي في 2020 تركيز الجهد الإيراني وحزب الله للصراع في اليمن، وتحول الحوثيين من الدفاع إلى الهجوم، بالطبع مع عوامل أخرى مثل اتفاقية استوكهولم، لإسقاط مأرب والمحافظات اليمنية، ولم يتوقف الهجوم إلا بخسارة مساحات واسعة من الحكومة مثل جنوبي الحديدة وجنوبي وغربي مأرب، ومناطق الجوف، معتبراً بالتالي أن "انتصار الثورة السورية سيؤدي إلى ضعف شديد للحوثيين". وأضاف أن مركز ثقل الحوثيين لم يكن محلياً مطلقاً، بل مرتبط بإيران وحزب الله والنظام السوري و"الحشد الشعبي"، وخسارة تلك الأذرع تجعل جماعة الحوثيين لأول مرة منذ نشأتها تعتمد على حليف بلا أنياب ولا قدرات، على الأقل في الوقت الحالي.

وأشار المقرمي إلى أنه "حتى الآن لم يجرؤ الحوثي على إصدار بيان دعم يذكر فيه الحكومة السورية أو النظام السوري أو الأسد. وشن الحوثيون ووسائل إعلامهم هجوماً حاداً على المعارضة السورية بأقذع الألفاظ كالإرهاب والتكفير والذبح والخيانة والعمالة، ولكنهم لم يذكروا النظام قط، باستثناء تصريح محدود من نصر الدين عامر المتحدث باسمهم على وسائل التواصل ورئيس تحرير وكالة سبأ بعد ساعات من بدء ردع العدوان، لكن اختفت كل عنتريات الحوثيين". ولفت إلى أنه على الرغم من ذلك، لم يقدم (عبد الملك) الحوثي أي تنازل، ويبدو أنه كالأسد يهدر فرص الوصول إلى حل سلمي حتى الآن، معتبراً أن "مشاهد انتفاض السكان في عدد من المناطق السورية، مثل دمشق والمحافظات الأخرى، أو إطلاق المخطوفين من السجون المركزية تحفز القوى الشعبية للتحرك، ويملك الحوثي الكثير من السجون، وهذا يجعل الدور المحوري يقع على الشعب نفسه، وقواه الحية المقاومة بالدرجة الأولى، وعلى مبادرة الجيش والمقاومة الشعبية بدرجة مقابلة في بعض الجبهات، ما سيقود إلى انتفاضة شاملة".


العربي الجديد