طلاب اليمن بلا كتب مدرسية
للأسبوع الثالث على التوالي لا تتوفر الكتب المدرسية للطالب مبارك الذي يدرس في الصف الرابع الابتدائي في إحدى مدارس مدينة تعز، والسبب عجز إدارة المدرسة عن توفير الكتب في ظل أزمة المنهج الدراسي التي تعانيها المدارس في اليمن.
يقول مبارك لـ"العربي الجديد": "مرّ أكثر من أسبوعين على بدء العام الدراسي، ولم تتوفر الكتب المدرسية لنا، رغم أننا دفعنا الرسوم ومنها تلك الخاصة بالمنهج. وحين نسأل إدارة المدرسة يقولون إن الكتب غير متوفرة".
يضيف: "عدم وجود الكتب يُعيق الطلاب عن المذاكرة، إذ لا يعرف الطالب كيف يذاكر، لكن أمي حمّلت الكتب إلكترونياً من الإنترنت إلى جهاز آيباد الخاص بي، وهذا حلّ مؤقت حتى صرف الكتب".
تقول أم جمال التي تعيش في عدن لـ"العربي الجديد": "أخبرتني إدارة المدرسة التي سجلت فيها ابني أنه لا توجد كتب، وهذا الأمر يجعل الدروس تتراكم على ابني بسبب عدم امتلاكه المنهج الدراسي كي يذاكر دروسه. وجعلني ذلك أشتري المنهج من السوق، وكلفني شراء كتاب الفصل الدراسي الأول أكثر من 14 ألف ريال (7.2 دولارات)".
وفي وقت تفتقر المدارس إلى الكتب، يجري بيعها في السوق السوداء بأسعار مرتفعة، وعلى مرأى ومسمع من الجهات الحكومية التي لا تتخذ أي إجراءات رادعة بحق المسؤولين عن بيع هذه الكتب التي يفترض أن توزع مجاناً لطلاب المدارس.
يقول سيف الخولاني، وهو مدرّس في محافظة ذمار لـ"العربي الجديد": "تعاني كل مدارس محافظات اليمن نقصاً شديداً في الكتب المدرسية نتيجة قلّة الدعم الذي تقدمه الجهات الداعمة لمطابع الكتاب المدرسي. ويجعلنا ذلك نلجأ بصفتنا إدارة مدرسية إلى بعض الحلول الممكنة مثل إشراك طالبين اثنين في منهج دراسي واحد، وإجبار الطلاب في نهاية العام على تسليم المنهج وحجزه في حال عدم تسليمه، وذلك كي يستفيد طالب آخر من المنهج الذي يجري تسليمه".
اليمن أكثر الدول احتياجاً إلى مساعدات إنسانية حتى فبراير 2025
بدوره، يقول رضوان الجعشني، وهو رب أسرة من صنعاء، لـ"العربي الجديد": "تضاعفت الأعباء المالية لتدريس الأبناء على أرباب الأسر، ففي وقت يدفع رب الأسرة رسوم تسجيل وجبايات مالية شهرياً باسم مساهمة مجتمعية، يضطر رب الأسرة إلى شراء الكتب الدراسية لأبنائه نتيجة عدم صرفها من المدرسة، ويحصل كل ذلك في ظل وضع اقتصادي منهار تعيشه الأسر اليمنية بسبب الحرب".
وتشكو مؤسسة مطابع الكتاب المدرسي في عدن التابعة للحكومة المعترف بها دولياً من عدة تحديات تحول دون توفيرها الكتب المدرسية بالصورة المطلوبة، منها التأخير في تأمين الموازنات المخصصة للمؤسسة عن طريق وزارة المالية، وعدم وجود لجنة عليا للمناقصات، ما يجعل المؤسسة عاجزة عن عمل مناقصات للمواد الخام تكفي لمدة طويلة، حيث تلجأ إلى عمل مناقصات داخلية بحسب المسموح لها قانونياً.
وتحتاج وزارة التربية إلى 28 مليون كتاب سنوياً، بينما العقد المبرم بين الوزارة والمؤسسة لطباعته يشمل 3.5 ملايين كتاب، بسبب عدم وجود قدرة مالية للحكومة لزيادة المبلغ المخصص للطباعة.
وفي موازاة ذلك حوّلت جماعة أنصار الله الحوثيين المؤسسة الحكومية لمطابع الكتاب المدرسي في صنعاء إلى سوق سوداء لغرض المتاجرة بها، من خلال تحديد نقاط تبيع الكتب المدرسية بأسعار مرتفعة.
جاء ذلك رغم تلقي مطابع الكتاب المدرسي دعماً من عدد من المنظمات لدعم قطاع التعليم في اليمن، لكن جماعة الحوثيين تستغل هذا الدعم لخدمة أنشطتها، ما جعل النشطاء يطالبون هذه المنظمات بإيقاف دعمها للحوثيين.
ويقول فهمي الجندي، المواطن من صنعاء، لـ"العربي الجديد": "سخّرت جماعة الحوثي مطابع الكتاب المدرسي لخدمة أجندتها، حيث تستخدم المطابع لطباعة صور قتلاها والمطبوعات الخاصة بفعاليات الجماعة المختلفة، أي إنها توظيف المطابع لخدمة أجندتها السياسية على حساب حق الطالب في الحصول على الكتب الدراسية مجاناً حقّاً مكفولاً دستورياً".
يضيف: "سخّرت جماعة الحوثي مطابع الكتاب المدرسي لطباعة ملازم مؤسس الجماعة حسين الحوثي، والكتيبات الخاصة بمناسبات الجماعة الطائفية، وكتب المراكز الصيفية. وهي تطبع وتوزع مجاناً في وقت يباع الكتاب المدرسي بأسعار مرتفعة".
وفي ظل توفر كميات قليلة من الكتب المدرسية في مدارس اليمن أجرت جماعة الحوثي تغييرات في المناهج الدراسية خاصة في مواد القرآن الكريم والتربية الإسلامية واللغة العربية والعلوم الاجتماعية. وأعلنت اللجنة العليا للمناهج في وزارة التربية والتعليم بحكومة الحوثيين تغيير بعض مفاهيم مواد القرآن الكريم ودروسه في الصفوف السابع والثامن والتاسع.
كما عملت جماعة الحوثيين على إخضاع المناهج الدراسية للطائفية من خلال نشر صور ودروس عن قيادات الجماعة، وأئمة المذهب الشيعي، وأخرى للمناسبات الطائفية الخاصة بالجماعة.
ويسعى الحوثيون إلى توفير موازنة لتشغيل مطابع الكتاب الخاضعة لهم، والمستلزمات الفنية للبدء في طباعة نسخ مُحرّفة ومعدّلة طائفياً من الكتاب المدرسي لاستهداف عقول وأدمغة الطلاب في غالبية مراحل التعليم.
واستناداً إلى آخر مسح تربوي شامل أجرته وزارة التربية والتعليم عام 2020، بلغ عدد التلاميذ الملتحقين بالتعليم العام نحو 6 ملايين، منهم 4 ملايين و900 ألف في التعليم الأساسي، و690 ألفاً في التعليم الثانوي. وبحسب هذه الإحصاءات يشكل عدد تلاميذ مناطق الريف في التعليم الأساسي أكثر من 3.5 ملايين، بمعدل 67% من إجمالي عدد طلاب المرحلة الأساسية. ويتوزع هؤلاء التلاميذ على نحو 16.800 مدرسة.
وتشير تقارير إلى أن أكثر من مليونين و661 ألف طفل يمني في سن التعليم خارج المدارس، بينهم مليون و410 آلاف فتاة ومليون و251 ألفاً من الذكور. وتشكل هذه النسبة نحو ربع عدد الأطفال اليمنيين في سن التعليم المقدّر بـ10.8 ملايين، أي طفل من كل أربعة.
وتتحدث "يونيسف" عن أن "الصراع في اليمن أعاق حصول 8.1 ملايين طفل على التعليم، ما يعرّض مستقبلهم لخطر".
العربي الجديد