الأمن وضياع الدولة
وجود الأمن من أساسيات الحياة، لا تستغني عنه دولة ولا مجموعة صغيرة ولا أسرة ولا فرد، ووجود نظام أمني سمة من سمات الدول قديمها وحديثها، لا يمكن لسلطة قائمة أيّاً كان توجهها أن تترك مسألة الأمن للصدف، لابد من وجود نظام يقمع العابثين ويُؤّمن الخائفين، وينصر قيم الخير في المجتمع وينتصر للعدالة، فلا عدالة بدون أمن وإلا من سيجرؤ على العمل في مجال القضاء وما إليه من الوظائف المساعدة لتطبيق القانون. من يريد دولة فعليه بالأمن ليصل إلى الاستقرار والرخاء، وإلا لتحول المجتمع إلى غابة، وفرض الزعران وقطاع الطرق وعديمي التربية وفاقدي الضمير والوجدان شروطهم على المجتمع، لقد رأينا أنظمة سياسية يقودها زعماء عصابات سيطروا على الأوضاع من خلال فرض قوة العصابات على قوة القانون ورتبوا أوضاعهم لممارسة الفساد والافساد، وما أن حدثت صحوة ثورية ذات قيم في المجتمع، إلا وتساقطت أنظمة العصابات. عصابات كثيرة طورت أنظمتها الموازية لأنظمة الدولة، لكن مخرجاتها فظيعة كرعاية الإرهاب وتجارة المخدرات والدعارة وغسيل الأموال.
تُقاس قوة الدولة بمدى فاعلية أنظمتها المختلفة، وتأتي فاعلية نظام الأمن في مقدمتها. نظام الأمن هو من يضبط إيقاع وتناغم بقية الأنظمة في الدولة، فما قيمة وجود نظام الدفاع المتطور والقادر على الهجوم والردع واحتواء الضربات العكسية لدى الدولة إذا كان نظام الأمن في الداخل مضطرب؟ تستطيع أي دولة معادية قلب نظام الحكم في الدولة المضطربة أمنياً بكل سهولة، وسيكون الوصول لنظامها الدفاعي للسيطرة عليه وتفكيكه أو إعادة تشغيله بما يخدمها سهل المنال. لا نظام حكيم يسلم البلد للعصابات وإلا سيصل حاله إلى ما وصلت إليه الأنظمة الفاشلة التي تعاني من الاضطرابات. تذكروا جيداً لصالح من تم تصفية رجال الأمن بعد 2011، لصالح من كل تلك العلميات الإرهابية والاغتيالات؟ كلها لصالح من صنعوا الانقلاب في 2014 وطعموه بطائفية السلالة الشبقة للحكم الممتلئة بالخرافات والأوهام العرقية والدينية، من الذي مهد للانقلاب وسهل وجود عصابات طائفية وجهوية في المجتمع؟ بالتأكيد هو نظام العصابة الذي عرف تقنية إيجاد عصابات مختلفة ومتناحرة للحفاظ على مصالحه وبقائه.
بعد السيطرة على عدن في 2015 ما الذي حدث؟ تمت عمليات اغتيالات متتالية للمحافظ ورجال المقاومة الذين ضحوا في سبيل الوطن، في تلك الفترة سلم الأمن للعصابات والإرهابيين والمهرجين الذين "يعرفون الجريمة قبل وقوعها" فماذا كانت النتيجة انقلاب في عدن؟ لماذا يعيد التاريخ نفسه؟ بسبب الفاشلين الذين يقومون بإعادة نفس التجارب ويمضون بغباء على نفس الخُطى، إعادة نفس المعطيات في أي تجربة مهما تكررت يعطي نفس النتائج، وكذلك يفعل التاريخ. تم ضبط الأمن في مأرب بسبب وجود إرادة قوية وقيادة ذات كفاءة، ومازالوا بحاجة إلى يقظة تامة فصُناع الانقلابات يحيطون بهم من كل جانب، بل ويتواجدون في صفوفهم بأريحية، هذه دولة يُراد لها عدم العودة واستمرار السقوط، وتُبدي العصابات جهوداً مضاعفة للنجاح فحريُّ بأجهزة الدولة مضاعفة الجهود ومعرفة تقنيات العصابات التي تمهد لإسقاط ما تبقى من المؤسسات. الأمن لم يعد عسكري وميري وحاضر ونعم يا فندم، الأمن نظام متكامل ; أفراد وضباط وأنظمة مالية وإدارية وتقنية وأنظمة تحليل السلوك إلخ.
في تعز المقاومة والثورة والصمود تم إيقاف زحف الانقلاب بكل امكانياته الهائلة من قبل أفراد معدودين، واليوم يقف بعض القادة خلف عصابات النهب والسلب يموننها بالمعدات والأسلحة والرتب ويختبئون في بيوتهم وينتظرون منها المكاسب اليومية -بئست المكاسب اذا كانت مصروف يومي وقات- ما يجري هناك لا يُصدق، لقد ترك الجيش بلا ظهر وترك المجتمع بلا حماية وبلا أمن، كثر النهابة والمتربحين ومحدثي النعمة الذين أثروا من الحرب اليوم صاروا مستثمرين! في تعز ثمة كرامة وقيم ثورية أضاءت الطريق لليمن واليمنيين منذ منتصف القرن الماضي إلى اليوم، تعز مدينة الكوادر المهنية والأكاديمية والعمالية والتجارية تُطعن في الخاصرة، والسبب نشوء عصابات تمهد الطريق لإنهاء وجود الدولة وإضاعة تضحيات من كسروا الانقلاب وجهود المواطنين الصابرين طيلة سنوات الحرب، لأجل إشباع نزوات اللصوص وأربابهم. ستسقط تعز بسبب هذه العصابات فهي تعمل على ضرب القاعدة الشعبية والحاضنة الجماهيرية للدولة، إذا لم يُقطع دابر هذه العصابات وفقاً للمرحلة فإنها ستسقط كما سقطت صنعاء وعدن من قبل.